نعم، هناك خوف من أن يصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية. إنّه خوف على لبنان، نظرا إلى أن ميشال عون في بعبدا لا يمثّل سوى الاستسلام للمشروع الهادف إلى جعل لبنان ذنبا لإيران.
 

قبل اثني عشر يوما من انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2016، كتبت هذا المقال من منطلق أني رافقت صعود نجم ميشال عون. مؤسف أنّي كنت على حق. لا أدعي أنّي لا أخطئ. لكنّه في ما يخصّ رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي، لم أكن مصيبا فقط، بل ثبتت في ضوء الأحداث الأخيرة كلّ مخاوفي.

كتبت في 2016، قبل أيّام قليلة من أن يصبح ميشال عون رئيسا، المقال الآتي تحت عنوان “ميشال عون رئيسا… خوف على لبنان”:

مطروح جدّيا أن يصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان. لا يشكّل ذلك خطرا على الجمهورية اللبنانية، أو على الأصحّ، ما بقي منها، بمقدار ما يشكّل خطرا على مستقبل لبنان وعلى علّة وجوده كدولة مستقلّة وسيّدة تنتمي إلى محيطها العربي.

يكفي لرفض أن يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية ما حصل قبل أيّام قليلة في ذكرى يوم الثالث عشر من تشرين الأوّل ـ أكتوبر 1990. إنّها ذكرى توفير ميشال عون كلّ الأسباب التي مكّنت النظام السوري من فرض وصايته الشاملة على لبنان. وجد للأسف الشديد من يحتفل بالهزيمة، أي بدخول القوات السورية قصر بعبدا ووزارة الدفاع بفضل البطولات التي ارتبطت بقائد الجيش وقتذاك، أي بميشال عون.

مجرّد حصول مثل ذلك الاحتفال، وهو احتفال بالهزيمة، يكشف أن لبنان بلد العجائب والغرائب. هناك شخص اسمه ميشال عون يحتفل بهزيمة تسبب بها بدل أن يعتذر من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين منهم، ويعلن توبته عن التعاطي في كلّ ما له علاقة بالسياسة. هل في العالم بلد آخر غير لبنان، يوجد فيه من يحتفل بالهزيمة العسكرية والسياسية التي لحقت بشخصه وبالبلد؟ هل في العالم بلد يكافئ شخصا على التسبّب بالذل بشعبه؟

لا بدّ من العودة قليلا إلى الخلف للتأكّد من أنّ ميشال عون لا يصلح لما دون أقلّ بكثير من رئيس للجمهورية، هو الذي يمتلك أكبر كتلة نيابية مسيحية بفضل الأصوات التي يؤمّنها له “حزب الله” وليس لسبب آخر. ماذا حصل في ذلك اليوم من العام 1990 الذي دخل فيه الجيش السوري قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة واستولى على كلّ الملفات فيها ونقلها إلى دمشق مكرّسا وصاية على البلد استمرّت خمسة عشر عاما؟

كيف تسلسلت الأحداث وصولا إلى ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يخجل أنصار عون من الاحتفال به؟

في الثالث والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 1988، انتهت ولاية الرئيس أمين الجميّل الذي رفض التوقيع على أيّ ورقة يمكن أن تنتقص من سيادة لبنان على الرغم من لقاءاته الطويلة الكثيرة مع حافظ الأسد. غادر الرجل قصر بعبدا ليحل فيه ميشال عون، قائد الجيش وقتذاك، على رأس حكومة مؤقتة لا مهمّة لها سوى المساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس الذي انتهت ولايته. اضطرّ الجميّل، في ظلّ ظروف معيّنة، بل قاهرة، إلى تكليف ميشال عون تشكيل حكومة مؤقتة والحلول مكانه، كشخصية مسيحية، في قصر بعبدا في انتظار مجيء الرئيس الجديد.

بدل المساعدة في انتخاب خلف لأمين الجميّل، قرّر ميشال عون أن يكون هو رئيس الجمهورية معلنا تمرّده على كلّ شيء بدءا بعدم أخذ العلم بأنّ الحكومة التي شكلّها وكانت تضم ثلاثة ضبّاط مسلمين وثلاثة آخرين مسيحيين، استقال منها جميع المسلمين.

قبل التوصل إلى اتفاق الطائف، قصف ميشال عون بيروت الغربية، ذات الأكثرية الإسلامية. وبعد اتفاق الطائف الذي وقع في أيلول – سبتمبر 1989، والذي سمح للنوّاب بانتخاب رجل عاقل هو رينيه معوّض رئيسا للجمهورية، خاض حربا مع “القوات اللبنانية” التي كانت وقتذاك ميليشيا مسيحية. منع رينيه معوّض من دخول قصر

بعبدا. سمح ذلك للنظام السوري باغتياله، بعد أسابيع قليلة من انتخابه. كانت لدى النظام السوري حسابات خاصة به تتجاوز شخص رينيه معوّض الذي كان يتمتع بغطاء عربي ودولي. كان يريد رئيسا للجمهورية يدور قدر الإمكان في فلكه، فجاء بإلياس الهراوي رئيسا.

بإصراره على أن يكون رئيسا للجمهورية، بأيّ ثمن كان، لعب ميشال عون في كلّ وقت الدور المطلوب منه سوريا. كان حليفا لصدّام حسين الذي أرسل إليه عن طريق البحر دبابات استخدمها في حربه على “القوّات اللبنانية”. عبرت هذه الدبابات الحدود البرية بين العراق وتركيا ونقلت إلى لبنان بحرا بعدما سمحت بذلك إسرائيل… التي كانت تفرض حصارا على الشاطئ اللبناني!

لم يكتف ميشال عون بخوض حرب مع “القوات اللبنانية” أدت إلى أكبر موجة هجرة مسيحية من البلد، بل قرّر الدخول في مواجهة مباشرة مع حافظ الأسد الذي لم يقتنع بجعله رئيسا للبنان. هناك أربعمئة ألف لبناني، معظمهم من المسيحيين، هاجروا من البلد بسبب حربي “التحرير” و”الإلغاء” اللتين تسبّب بهما ميشال عون.

لم يستوعب ميشال عون في أيّ وقت أهمية التوازنات الإقليمية والدولية. وعندما وجد حافظ الأسد الفرصة المناسبة لوضع يده على البلد، قصف، من الجوّ، قصر بعبدا وفرّ ميشال عون إلى السفارة الفرنسية قبل أن ينتقل من هناك إلى فرنسا نفسها حيث بقي لاجئا طوال خمسة عشر عاما. قبض حافظ الأسد سلفا ثمن إرسال وحدة من الجيش السوري قاتلت الجيش العراقي، إلى جانب الأميركيين، في حرب تحرير الكويت. كان الثمن الوصاية السورية على لبنان.

عاد ميشال عون إلى لبنان على دم رفيق الحريري في 2005 وذلك بعدما أخرج هذا الدمّ الجيش السوري من لبنان. عاد من دون أن يتعلّم شيئا. هدفه الوحيد في الحياة أن يكون رئيسا للجمهورية حتى لو كان ذلك على أشلاء لبنان.

يبدو أن عقدة رئاسة الجمهورية لا يمكن أن تفارق الرجل. هذه العقدة تسمح باستغلاله سياسيا لتنفيذ مآرب معينة. مثلما لعب الدور الأساسي في جعل النظام السوري يحتل قصر بعبدا ويفرض وصايته على لبنان كلّه بين 1990 و2005، نجده اليوم في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني الذي تعبّر عنه رغبة “حزب الله” في منع انتخاب رئيس للجمهورية… أو انتخابه هو رئيسا للقضاء على الجمهورية. يستغلّ “حزب الله” عقدة عون الرئاسية لتعطيل انتخابات الرئاسة والعمل في خط مواز يصبّ في تغيير طبيعة النظام اللبناني.

نعم، هناك خوف من أن يصبح ميشال عون رئيسا للجمهورية. إنّه خوف على لبنان، نظرا إلى أن ميشال عون في بعبدا لا يمثّل سوى الاستسلام للمشروع الهادف إلى جعل لبنان ذنبا لإيران. من لديه أدنى شك في ذلك يستطيع مراجعة سجّل وزير الخارجية جبران باسيل، صهر عون، في الاجتماعات العربية. كان لبنان كلّ شيء في تلك الاجتماعات باستثناء دولة عربية مستقلّة… كان صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربية!