مع أن هناك توجهاً فلسطينياً «رسمياً» بإجراء الانتخابات التي يجري الحديث عنها بينما الوضع في غزة والضفة الغربية على ما هو عليه الآن، وقبل إنهاء حالة الانقسام الذي ترتب على الانقلاب العسكري الذي قامت به حركة «حماس» في يونيو (حزيران) عام 2007، فإن هناك بعض المعنيين، فلسطينيين وغير فلسطينيين، من يفضّلون إجراءها بعد رتْق هذا الانقسام وبعد مصالحة توحد الشعب الفلسطيني في هذين الجزأين المتباعدين من فلسطين التاريخية.


الآن، بعد ذلك الانقلاب الدموي الذي قامت به «حماس» في عام 2007 بتخطيط التنظيم العالمي لـ«الإخوان» المسلمين ودعم «الشقيقة» قطر ومساندة إيران بات هناك كيانان في فلسطين لا تنظيمان بالإمكان إعادة دمجهما في إطار منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني، وعلى غرار ما هو عليه واقع الحال بين حركة «فتح» والكثير من التنظيمات الفلسطينية الأخرى التي في طليعتها الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وأن التنظيمات والفصائل الأخرى باتت مجرد أسماء، وأنه لا وجود لها فعلياً على أرض الواقع، لا في غزة ولا في الضفة الغربية، ولا في أي دولة من الدول العربية المجاورة والبعيدة.


وعليه، فإن المتوقع في هذا المجال وعلى افتراض أن هذه الانتخابات المشار إليها قد أجريت وكل من التنظيمين المعنيين، حركة «فتح» وحركة «حماس»، متمترس في خندقه وحريص على كيانه وعلى «دولته»، فإن المؤكد أن الانقسام سيزداد خطورة، وأنه سيصبح بالإمكان اندلاع حرب أهلية فلسطينية، خصوصاً في قطاع غزة، وحيث إن المعروف أن هناك أطرافاً عربية، وهذا بالإضافة إلى إيران، تريد مثل هذه الحرب وتسعى إليها، وكما كانت قد سعت إلى تلك الحرب السابقة بعد انهيار اتفاق مكة المكرمة في عام 2007.


إن المعروف في هذا المجال، أنه لا يجوز وضع العربة أمام الحصان، وإنه قبل هذه الانتخابات لا بد من «رتق» هذا الانقسام والعودة إلى ما قبل انقلاب عام 2007 والاحتكام إلى اتفاقية مكة المكرمة التي كما هو معروف، قد بادرت «حماس» إلى التنصل منها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، وحيث ثبت بصورة واضحة أن قرار حركة المقاومة الإسلامية ليس بيد لا خالد مشعل ولا إسماعيل هنية، بل بيد قيادة الإخوان المسلمين (الدولية)، وأيضاً بيد الدولة المضيفة «قطر»، وقبل ذلك بيد إيران ممثلة بالولي الفقيه علي خامنئي ومعه الجنرال «الطرزاني» قاسم سليماني.


إنه لا شك في أن لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادة حركة «فتح» حسابات، غير حسابات الذين يتعاطون مع هذه المسألة التي هي في غاية الأهمية عن بعد ليشترطوا إجراء هذه الانتخابات قبل المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وقبل إعادة توحيد قطاع غزة سياسياً وليس جغرافياً مع الضفة الغربية، ويقيناً أن «أبو مازن» و«إخوته» في السلطة الوطنية وفي حركة «فتح» يعرفون تمام المعرفة وأكثر كثيراً من غيرهم أن «حماس»، التي قرارها ليس في يدها، لا تريد هذه «المصالحة»، وأنها لا يمكن أن تتراجع عن هذه الخطوة الانقسامية التي قد أقدمت عليها في عام 2007 ليس بقرارها وإنما بقرار التنظيم العالمي لـ«الإخوان» المسلمين، لا، بل وقبل ذلك بقرار الدولة المضيفة «قطر»، وقرار إيران التي قد بادر «الحماسيون» إلى توجيه الشكر الجزيل لها على كل ما قدمته لهم من دعم مالي وسياسي، وهذا كان بعد أن أبدوا استعداداً مشروطاً للذهاب إلى انتخابات تشريعية وفقاً لاقتراح القيادة الفلسطينية.


إن ما يؤكد أن «حماس» غير جادة في ترحيبها بإجراء هذه الانتخابات التي دعا إليها الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الوطنية وحركة «فتح» أنها اشترطت مشاركة القدس «المحتلة» في هذه الانتخابات، وذلك وهي تعرف أن هذا الشرط دونه «فرط القتاد»، كما يقال، وأن المعروف أنه كان لإسرائيل دور رئيسي في خطورة الانقسام الفلسطيني، وأنه مثلها مثل كل الذين ساندوا هذا الانقسام وشاركوا فيه كالتنظيم العالمي لـ«الإخوان» المسلمين وإيران و«قطر» الشقيقة، وللأسف وبعض الدول الأخرى التي لا ضرورة لذكرها.


ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، أن بعض الفصائل الفلسطينية الفعلية والوهمية قد أكدت هي بدورها أنه من أجل إنجاح خطوة التوحيد هذه، لا بد من أن تسبقها مصالحة بين «فتح» و«حماس» تشارك فيها، إن لم يكن كل، فمعظم التنظيمات الأخرى، حتى بما في ذلك المبادرة الوطنية بقيادة الدكتور مصطفى البرغوثي وبعض الهيئات الشعبية والنقابية الفاعلة، وحقيقة أن إجراءً كهذا في حاجة إلى وقت طويل وإلى ترتيبات قد تكون في غاية الصعوبة، خصوصاً أن إسرائيل بالنسبة للضفة الغربية لن تقبل بأن تكون «متفرجة»، وأنها ستعيق أي خطوة على هذا الصعيد، وستفشل أي محاولة في هذا الاتجاه.


ويقيناً، مرة أخرى، أنه إذا كان لا بد من إجراء انتخابات نيابية وانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني تشمل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه لا بد من مصالحة وطنية مسبقة، وتحديداً بين «فتح» و«حماس»، وحقيقة أن خطوة كهذه تبدو في هذه الفترة وفي المدى المنظور أيضاً غير ممكنة وعلى الإطلاق، فقرار حركة المقاومة الإسلامية ليس بيدها كما هو معروف، وهناك من يريد أن يبقى هذا «الانشقاق» الفلسطيني قائماً، وألا يكون هناك لقاء بين هذين التنظيمين الفلسطينيين الرئيسيين، وهؤلاء من بينهم بعض العرب، وذلك بالإضافة إلى إيران وبالطبع إلى إسرائيل التي هي رقم رئيسي في هذه المعادلة وللأسف.


ولهذا؛ فإنه إذا كان لا بد من إجراء انتخابات تشريعية فلسطينية كما يريد الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ومعه الحق كله فيجب أن يكون واضحاً ومعروفاً منذ الآن أن «حماس» ومعها حتى بعض الفصائل الرئيسية الأخرى لن تشارك في هذه الانتخابات المقترحة التي لن تشمل قطاع غزة، وأغلب الظن ولا القدس أيضاً مما يعني أنه ستكون هناك أزمة طاحنة، حيث إن الشعب الفلسطيني من منه في «الداخل» ومن منه في الخارج لا يمكن أن يقبل بخطوة يعتبرها «عرجاء»، وأنه سيعتبر أن الإقدام عليها سيزيد الفلسطينيين تشرذماً، وسيجعل الوحدة الوطنية هدفاً بعيد المنال لا يمكن تحقيقه لا في المدى المنظور ولا في المدى الأبعد.


وحقيقة أن هذه مشكلة في غاية الصعوبة، إن بالنسبة للرئيس أبو مازن، وإن بالنسبة لـ«فتح» والسلطة الوطنية؛ فالحالة الفلسطينية التي يرى البعض أنها غدت «مترهلة» في حاجة إلى التجديد، وأن هذا التجديد المنشود في حاجة إلى انتخابات تشريعية (برلمانية)، وأيضاً انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، وهذه مسألة من الواضح أنها إنْ لم تكن متعذرة فإنها ستكون في غاية الصعوبة؛ مما يعني أنه لا بد من محاولات جدية تشارك فيها بعض الدول العربية الفاعلة والرئيسية وبمساندة بعض الدول الإسلامية والأوروبية لإقناع «حماس» ومن يقف خلفها ومعها أن قضية فلسطين المقدسة أصبحت تواجه تحديات فعلية، وأن ما بات مؤكداً ومعروفاً هو أن إسرائيل ماضية في مخططاتها التدميرية الخطيرة، وأن هذه الإدارة الأميركية إذا تم التجديد للرئيس دونالد ترمب سوف تواصل ما كانت بدأته بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية ونقل سفارتها من تل أبيب إلى هذه المدينة المقدسة، وهذه مسألة من المفترض أن تأخذها «حماس» ومن يقفون معها ويساندونها بعين الاعتبار!