اللقاء الصحفي الذي أجراه رئيس الجمهورية اللبنانية هذا المساء، مع الصحافيين سامي كليب ونقولا ناصيف، كان من الممكن، أو المُرتجى، أن يعطي دفعاً إيجابياً للبدء بالقيام بخطواتٍ ضرورية ومُلحّة لزحزحة المعظلة السياسية التي نشأت منذ انطلاقة الثورة الشعبية، فإذا به يظهر بأنّه ما زال يعيش في مناخات ما قبل السابع عشر من تشرين الأول الفائت، فرغم بعض العبارات التي تؤيّد بعض مطالب الشعب المنتفض، ظلّت إجابات الرئيس سلبية على وجه العموم، من إصراره على تشكيل حكومة سياسية(مُطعّمة ببعض أهل الاختصاص)، وذلك كما بات واضحاً لعدم إقصاء الثنائي الشيعي(وحزب الله على وجه الخصوص) مع التيار الوطني الحر من مقاعد السلطة ومفاصلها الحساسة، كما أنّ سلوكيات الرئاسة المتمادية بخرق الدستور باتت واضحة وجليّة، وذلك بالقيام بمحاولات تأليف الحكومة قبل التّكليف، حتى أنّ الرئيس لم يعد اللبنانيين بإخراج صهره الوزير جبران باسيل من واجهة الحكم، عندما أصرّ عليه السيد كليب بالإجابة عن توزير باسيل من عدمه، بالقول بأنّ هذا الأمر يعود للوزير جبران باسيل نفسه، باعتباره رئيس أكبر تكتل برلماني، بحيث يبدو أنّ الرئيس لم يستوعب (وعذراً للعبارة) أنّ الانتفاضة الشعبية سحبت منذ انطلاقتها ثقتها بالمجلس النيابي القائم. 
 
ظهر رئيس الجمهورية  خلال المقابلة في أكثر من مشهد مُربكاً ومُتعباً، غير حازمٍ وواثقٍ من إجاباته، أو لنقل بأنّه ما زال يفتقد حتى الآن، وبعد مرور أكثر من ٢٧ يوماً من انطلاقة الثورة الشعبية، رؤية واضحة وخطّة ممنهجة، تقدم للجماهير المنتفضة حدّاً أدنى من الاطمئنان وسبيلاً للخروج من الشارع، كما أنّه لم يعطِ أية إشارة عن عزمه على تنظيف محيطه السياسي من شوائب وعوائق عِدّة، باتت تُشكّل خطراً فعلياً على مسيرة الوطن بكامله، لا على مسيرة العهد وحده.
 
للأسف الشديد، مقابلة صحفية سيّئة ومُشوّشة من أولها إلى آخرها، كان من الممكن تفاديها قبل حصولها، وها هي بوادر نتائجها المُخيّبة للآمال ظهرت في الشوارع، وعاد إقفال الطرقات ليُشكّل كابوساً جديدً فوق رؤوس الأشهاد.