التحالف مع حركة النهضة الإسلامية قد يسبب تراجعا في شعبيّة الأحزاب الحليفة لها وقيمتها السياسية.
 
يجد حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية في تونس والفائز الأول في الانتخابات التشريعية التي جرت في السادس من أكتوبر الماضي، نفسه أمام مهمة صعبة تقضي برئاسته الحكومة أو الاستجابة للضغوط وتكليف شخصية مستقلة.
 
وتبدو مهمة الحزب الذي يمثل جزءا مهما من المشهد السياسي منذ 2011، معقّدة، وسيواجه مخاضا صعبا لمحاولة إقناع برلمان بألوان أطياف سياسية مختلفة، ومؤلف من 217 مقعدا لم يحصد منها سوى أقل من الربع، ظهرت بوادره مع تقديم كتلة الحزب الدستوري الحر بطلب إلى رئاسة البرلمان بأداء اليمين الدستورية بشكل فردي في الجلسة الافتتاحية للسنة البرلمانية الجديدة التي تنطلق الأربعاء.
 
ولا يستبعد مراقبون أن يكون اقتراح الحزب الدستوري الحر الذي تحجّج بأن أداء اليمين بصفة جماعية غير قانوني، يأتي احتجاجا على تصدر النهضة للمشهد السياسي أمام مساعيها لمزيد الاستفراد بالحكم عبر تمسّكها برئاسة البرلمان ووضع يدها على الحكومة الجديدة، ما ينذر بسخونة السنة البرلمانية الجديدة ودخول الأحزاب ذات العائلات السياسية المتنوعة في صدام سياسي جديد.
 
وانطلقت مشاورات النهضة غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية في أكتوبر الفائت من دون أن تخرج كلّها إلى العلن.
 
 لكن الحركة وجدت نفسها في مأزق أمام رفض العديد من الأحزاب مشاركتها الحكم.
 
 
وتتحرك النهضة لإقناع الأحزاب الفائزة برؤيتها حول الحكومة الجديدة. والتقى القياديان بحركة الشعب هيكل المكي وسالم لبيض بالمقر المركزي لحركة الشعب، الاثنين، بوفد من حركة النهضة ممثلا في كل من علي لعريض ونورالدين البحيري.
 
وتمسك مجلس شورى النهضة، السلطة العليا داخل الحزب، نهاية الأسبوع الماضي بأن يكون مرشح الحزب لرئاسة الحكومة من صفوفه لكن من دون أن يقدم أي اسم، بينما قدّم رئيسه راشد الغنوشي كمرشح لرئاسة البرلمان الجديد.
 
وقال رئيس مجلس الشورى في الحركة عبدالكريم الهاروني إن “الحركة متمسكة بحقها في ترؤس الحكومة”، منتقدا موقف بعض الأحزاب التي “تريد حرمان الحزب المنتصر” من حقه الذي يضمنه الدستور.
 
وأفضت الانتخابات التشريعية إلى ما وصفه مراقبون بـ”الزلزال الانتخابي”، إذ تشتّتت أصوات الناخبين بين العائلات السياسية التي تقدمت للانتخابات.
 
ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي “هناك أحزاب تعتقد أن حركة النهضة مرفوضة بشكل واسع من السياسيين ومن جزء كبير من الرأي العام. هي تخشى أن يجر التحالف مع النهضة تراجعا في شعبيتها وقيمتها السياسية”.
 
وتستند هذه الخشية من خلال تجارب الحزب الفائتة في الحكم خصوصا خلال 2013 والأزمة السياسية التي اندلعت في البلاد إثر اغتيالات سياسية انتهت بتخلي النهضة عن الحكم. تضاف إلى ذلك حصيلة التحالف مع حزب “نداء تونس” في الحكم التي لم تكن مرضية لعموم التونسيين.
 
 
وبينما يحرص الحزب على عدم خذلان قواعده الانتخابية التي أقدمت على تأييده على أساس خطاب انتخابي يقوم على القطع مع الماضي، إلا أن الانتخابات الأخيرة التي تلتها المشاورات الحكومية كشفت حجم الانقسام داخل الحركة. ولا يستبعد المراقبون أن ينعكس هذا الانقسام على مؤتمر الحزب المرتقب عام 2020. وفي المقابل، لا يزال حزب قلب تونس الذي حل ثانيا في الانتخابات (38 مقعدا) يشترط شخصية مستقلة بخلفية اقتصادية لقيادة الحكومة بعد أن رفض قطعا في البداية الدخول في تحالف مع النهضة.
 
 وكان اتهم النهضة بالوقوف وراء سجن رئيسه نبيل القروي بتهم تتعلق بغسل أموال وتهرب ضريبي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية.
 
ويرى الجورشي أن النهضة يمكن أن تتوصل إلى “حل بإشراك كل الأحزاب بأوسع قدر، ولكنها ستكون خائفة”، مشيرا إلى “تواجد تيار كامل داخل النهضة يرفض الدخول في هذه التحالفات”.
 
وفي حال فشل حزب الغنوشي في الخروج بتشكيلة حكومية يصادق عليها البرلمان بـ109 أصوات، سيتولى رئيس البلاد قيس سعيّد تكليف شخصية مستقلة من خارج الأحزاب بتشكيل الحكومة.
 
ويخلص الجورشي إلى “وجوب أن يكون رئيس الحكومة شخصية بعيدة عن الأحزاب وفي الوقت نفسه مطمئنا للأحزاب، وهذه معادلة صعبة”.
 
وسيكون أمام من سيتولّون السلطة التنفيذية صعوبات جمة أهمّها الملفات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.