القضية باتت وسيلة للاستثمار السياسي لا الاقتصادي وباريس تفاوض طهران من بيروت
 
الكاتب: طوني بولس
 
في الذكرى السنوية الثالثة لانتخابه، قال رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، في معرض استعراض إنجازات عهده، إن لبنان سيدخل خلال شهرين من تاريخ الخطاب في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، نادي الدول المنتجة للنفط، وذلك بفضل إصراره على إقرار الحكومة مراسيم استخراج النفط والغاز. كذلك أعلنت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ندى بستاني أن لبنان يدخل خلال أسابيع نادي الدول النفطية من خلال شركة "توتال" التي ستبدأ بحفر بئر استكشافي للنفط.
 
شركة "توتال" تعلق
 
ولم تمض ساعات قليلة على إعلان دخول لبنان النادي النفطي حتى نقل موقع "توتال" خبراً مفاده أن "استخراج الغاز في لبنان لن يبدأ قبل 2029"، محددة الجدول الزمني للتنقيب عن النفط على الشكل التالي:
 
- عام 2020 حفر البئر الاستكشافي وإيجاد المواد النفطية.
 
- عام 2021 حفر البئر التقييمي لتحديد كمية ونوعية المواد القابلة للاستخراج.
 
- عاما 2021 و2022 يتخذ الكونسورتيوم القرار الاستثماري النهائي تبعاً للجدوى التجارية.
 
- الأعوام الممتدة بين 2022 و2026 الكونسورتيوم يطلب الموافقة الحكومية على خطة الإنتاج في حقل النفط، إضافة إلى تصميم المنصة الاستخراجية والأنابيب والبنى التحتية.
 
- الأعوام الممتدة بين 2026 و2029 انتهاء تحضير البنى التحتية.
 
- وختاماً عام 2029 بدء الاستخراج.
 
صراع سياسي بغطاء نفطي
 
وفي هذا الإطار، يقول مصدر سياسي بارز إن "قضية النفط في لبنان باتت وسيلة للاستثمار السياسي أكثر منها اقتصادي"، كاشفاً عن "تعيين أعضاء هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان منذ عام 2012 وتوظيف خبراء ومستشارين بمبالغ خيالية يتقاضونها منذ ثماني سنوات من دون أن يكون لهم أي إنتاجية"، معتبراً أن هذه التوظيفات تأتي في سياق التنفيعات والخدمات السياسية.
 
ويضيف أن مسألة دخول لبنان النادي النفطي ليست مرتبطة باكتشاف آبار بترول فحسب، بقدر تأمين السوق الدولية لتصديره، لا سيما العمل مع منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، وهي قضية سياسية بامتياز، إذ وبحسب المصدر، تمتلك إيران مخزوناً يعتبر من الأكبر في العالم، إلا أنها نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليها لا تستطيع تصدير برميل واحد في السوق الشرعية، باستثناء ما تستطيع تهريبه عبر السوق السوداء.
 
"حزب الله" عائق
 
ورأى المصدر نفسه أن "هناك عوائق كبيرة أمام لبنان للانسجام مع منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، لا سيما لناحية العلاقات المأزومة مع المجتمع العربي والدولي، الذي يعتبر أن "حزب الله" هو من يمسك القرار السياسي في لبنان، وأن عائدات النفط قد تكون تمويلاً للحزب المرتبط بإيران، بالتالي يصبح النفط اللبناني بوابة خلفية لتفلت إيران من العقوبات، كما أن النظام السوري قد يستطيع التفلت من العقوبات الدولية الخاضعة لقرارات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
 
ويتابع "مشكلة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل جنوباً ومع سوريا شمالاً، قد تشكل عائقاً أمام تحالف الشركات التي تريد الدخول في مناقصات الاستثمار في البلوكات الحدودية، حيث تبرز المنافسة الإقليمية شمالاً مع رغبة روسيا بتوسيع مصالحها في لبنان ورغبة إسرائيل الاستيلاء على البلوكات الجنوبية من خلال الإصرار على الترسيم القديم بين قبرص وإسرائيل.
 
أما بالنسبة للغاز الخام في حال اكتشافه، فسيُنقل إلى أقرب مصفاة يمكن العمل معها، وهي مصفاة لارنكا في قبرص التي تعمل على تكرير الغاز الخام الإسرائيلي أيضاً، كون كلفة إنشاء مصفاة في لبنان قد تتجاوز العشرة مليارات دولار، وتحتاج إلى خمس سنوات على الأقل، وهو أمر قد لا يكون مجدياً اقتصادياً لناحية تكلفة التشغيل والأضرار البيئية المترتبة.
 
فرنسا تدعم التسوية لحسابات نفطية
 
من جانبها، تؤكد مصادر دبلوماسية فرنسية أن "باريس تحاول دعم لبنان في تأمين المظلة الدولية المطلوبة ليتمكن من استخراج نفطه وبيعه في المستقبل، إذ تسعى لتنسيق جهودها الدبلوماسية الإقليمية والدولية لهذا الهدف"، مشيرة إلى الدور الفرنسي بالتنسيق مع قبرص وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، لتعديل الترسيم المجحف بحق لبنان لناحية الجنوب في البلوكات رقم 8 و9 و10.
 
وتعلن المصادر نفسها قلق فرنسا على مصير عقود النفط والغاز من انهيار التسوية الرئاسية بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، كون هناك مراسيم وتشريعات لا تزال عالقة وهي تحتاج لتوافقات سياسية لتمريرها، مؤكدةً أن المساعي الفرنسية بشأن تراجع الحريري عن استقالته عام 2017 كانت مرتبطة لحد كبير بالحفاظ على الاستمرار بدعم حق لبنان بإنتاج نفطه، ولذلك كان للحريري قبل عودته إلى بيروت حينها، مرور على قبرص لإبرام تفاهمات مسبقة قبل الشروع بالتشريعات اللازمة من خلال الحكومة.
 
وترى المصادر أن باريس لا تزال تعول على علاقتها الجيدة مع الجهات اللبنانية كافة، لإعادة إنتاج صيغة داخلية تنتج حكومة في أقرب وقت، تعتبرها قادرة على الدفع سريعاً باتجاه الشروع بعملية التنقيب عن النفط وبيعه، متكفّلة بطمأنة المجتمع الدولي بعدم ولوج "حزب الله" ضمنها والاستفادة من عائداته. كما تسعى لإقناع إيران بأنها تضمن عدم الإخلال بمعادلة قوة "حزب الله" وسلاحه في الداخل اللبناني ضمن حدود معينة، مرتكزة على قرار الاتحاد الأوروبي بالتمييز بين جناحي الحزب العسكري والسياسي، بالتالي القدرة على تمييع تنفيذ القرارات الدولية 1559 و1701 اللذين يعتبرهما "حزب الله" استهدافاً مباشراً له ولسلاحه.
 
صراع وتكامل إيراني - فرنسي
 
وعلى المقلب الآخر، تبدي مصادر دبلوماسية غربية تشاؤماً باقتراب دخول لبنان ضمن نادي الدول النفطية، معززة رأيها بأن النفط والغاز في السواحل السورية بات في الحضن الروسي، في حين تحتضن الولايات المتحدة النفط والغاز الإسرائيلي، بينما تدخل تركيا على خط الهيمنة على مصادر البترول في شمال قبرص تحدياً لليونان والاتحاد الأوروبي. وبناء عليه، تعتبر هذه المصادر أن فرنسا تحاول أن تكون الراعي للمنطقة الواقعة بين سواحل لبنان وقبرص، وهو أمر لا يزال غير محسوم في الموازين الدولية حتى الآن، كونه مرتبطاً أيضاً بالتوازن الهش على المستوى الداخلي.
 
وتؤكد أن "إيران تريد أن يكون لها منفذ على البحر المتوسط، بالتالي فإن الموانئ اللبنانية الخيار الوحيد أمامها بعد الاتفاقيات التي أبرمها النظام السوري مع روسيا، والتي حصلت على حق الاستثمار فيها على مدى 50 عاماً"، لافتة إلى أن فرنسا وإيران تتنافسان وتتكاملان في الوقت ذاته، وهذا ما يبرر عدم انسحاب الطرفين من الاتفاق النووي الإيراني، في وقت تعلن إيران خرقه، لا سيما مع إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني الشروع بعملية تخصيب اليورانيوم والتحضير لإنتاج قنبلة نووية.