الشروع بخطة سياسية وأمنية في ساحة التحرير لامتصاص غضب الشارع العراقي.
 
خرجت الاحتجاجات عن السيطرة وباتت تهدد العملية السياسية وجميع المتدخلين فيها، ما حدا بالمرجع الشيعي علي السيستاني إلى التحذير من أنها قد تصل إلى النجف وتهدد وضعه الاعتباري كمرجع للأحزاب الموالية لإيران وضامن لاستمرار عراق ما بعد 2003.
 
يأتي هذا في وقت تنفّذ فيه الحكومة العراقية صفحة جديدة من خطة ميدانية لإفراغ ساحة التحرير، وسط بغداد من المتظاهرين، بعدما تحولت إلى أيقونة لحركة الاحتجاج.
 
وتتزامن هذه الخطة الميدانية الهادفة إلى إرهاق المحتجين مع مناورات تشارك فيها أحزاب رئيسية لإفراغ مطالب الشارع من عمقها الثوري.
 
وعزت مصادر سياسية عراقية تحذير السيستاني إلى خشيته من أن تكون خطوة المتظاهرين التالية، في حال لم تقع الاستجابة لمطالبهم، وفي مقدمتها إصلاح النظام السياسي القائم جذريا، الانتقال إلى الاعتصام قرب مقره في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، وفقا لتقديرات قدمت للمرجع الأعلى من مقربين.
 
وأشارت المصادر في تصريح لـ”العرب” إلى أن اعتصام المتظاهرين عند مكتب السيستاني في النجف، يعني حصولهم على حماية كاملة من القمع الحكومي، إذ لا يمكن تصور أن تقوم القوات الأمنية بقتل المحتجين قرب مقر المرجعية الشيعية العليا.
 
وتقوم الخطة الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ الليلة الماضية، على تكليف قوة خاصة بالضغط على ما يعرف بحاجز الصد والمطعم التركي، وهما مقدمة منطقة ساحة التحرير المطلة على جسر الجمهورية، حيث يتمركز أجرأ المتظاهرين، خلال ساعات الليل، التي كانت في السابق تشهد هدوءا نسبيا، يستغله المحتجون وقوات مكافحة الشغب للنوم قليلا.
 
وتأمل الحكومة العراقية أن تؤدي الخطة الجديدة، إلى إرهاق المتظاهرين، الذين بدأت أعدادهم في التناقص، مع نجاح الصفحة السابقة من خطة الحكومة، المتمثلة باستعادة الجسور والساحات المحيطة بالتحرير، وفتح بعضها أمام المارة.
 
وتأتي هذه الصفحة، في ظل تأكيد مصادر سياسية مطلعة أن أحزابا عراقية موالية لإيران، أقرت اتفاقا يتضمن تقديم تنازلات شكلية، من بينها تغيير عشرة وزراء في الحكومة الحالية التي يرأسها عادل عبدالمهدي بآخرين من خارج الطبقة السياسية وتشريع قانون جديد للانتخابات.
 
لكن مصادر “العرب” في مدينة النجف، قالت إن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، رفض مباركة هذه الخطة، أو الطلب من المتظاهرين الانسحاب من ساحات الاحتجاج بناء عليها.
 
ووفقا لمصادر مطلعة، فقد منعت الحكومة وزارة الصحة العراقية من الكشف عن أي حصيلة لضحايا أعمال فض الاحتجاجات التي تقوم بها قوات الأمن في بغداد والمحافظات.
 
وقال نشطاء إن الرقم المعلن، وهو 320 قتيلا وقرابة الـ15 ألف جريح، ليس دقيقا، فلربما بلغ عدد القتلى نحو 500، في ظل إصرار السلطات الأمنية على اعتماد العنف المفرط في تفريق المحتجين.
 
ويبدو أن الاحتجاجات قد وحدت الطبقة السياسية إثر شعورها بالخطر فصارت تقف عند خط شروع واحد من أجل التخلص من التظاهرات بأي طريقة ممكنة.
 
ولا يستبعد مراقب سياسي عراقي أن توافق الأطراف كلها على إجراء تعديلات شكلية على الحكومة الحالية، بحيث لا تؤثر تلك التعديلات على موقع الأحزاب في السلطة وإن احتاج الأمر إلى التخلي عن عدد من المحافظين في المدن الثائرة فإن الحكومة ستجد وسيلة لتعويض أحزابهم بما يناسب خسارتها.
 
ويقول المراقب في تصريح لـ”العرب” إن الأحزاب مجتمعة تجد في المعالجة الأمنية وسيلتها لفرض أجندة جديدة يمكنها من خلالها التعامل مع الناشطين في المرحلة المقبلة، وذلك ما يفضحه موقف مقتدى الصدر الذي تفرغ للتنديد بالموقف الأميركي متناسيا بشكل كلي سقوط المئات من المتظاهرين قتلى في بغداد ومدن الجنوب، وهو ما يشبه إلى حد كبير موقف السيستاني الذي لا يزال مصرا على إمساك العصا من الوسط من غير أن يوجه نقدا إلى العنف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية.