تبدي مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العراقية سخطها على قرار الحكومة بقطع الإنترنت، تجنباً لما أسمته الأخيرة بـ"الفوضى الأمنية والمؤامرة على الوطن"، حيث يؤكد سياسيون وإعلاميون وناشطون أن سلطة عادل عبدالمهدي خرقت كل قوانين "الحريات المدنية" عبر حجب الشبكة العنكبوتية من العمل على الدوام داخل العراق.
 
وكانت الحكومة قد حجبت، بعد الـ25 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إمكانية الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، منها فيسبوك، وتويتر، وواتساب، قبل أن تقطع الإنترنت نهائياً في الأيام التالية، خشية تأليب الرأي العام ضدها "وتحريف الحقائق الميدانية من قبل مجاميع إلكترونية"وصفتهم بـ"المندسين".
 
وعندما بدأ حجب فيسبوك، نهاية الشهر الماضي، تحرك العراقيون سرياً لتنزيل تطبيقات "vpn" (شبكة افتراضية تتيح الاتصال بخوادم خارج البلاد)، وأقدم آخرون على استخدام وسائل اتصال بالأقمار الصناعية، وهي ذات تكلفة مرتفعة جداً، من أجل التواصل مع العالم الخارجي.
 
 
من احتجاجات بغداد الاثنين
الحكومة و"الممارسات القمعية"
إلى ذلك، عد ساسة عراقيون إقدام الحكومة على حجب الإنترنت تكريساً لسياسة القمع الميداني المتواصل في ساحات الاحتجاج منذ فترة، مؤكدين أن هذه الخطوات ستضع البلاد على لائحة الدول القمعية التي لا تعترف بمبدأ الحريات العامة وقانونية التعاطي الإلكتروني مع العالم.
 
من جهته، قال سياسي عراقي مستقل، يدعى محمد نعناع، لـ"العربية.نت"، إن "الحكومات الثلاث الماضية منذ حكومة نوري المالكي مروراً بحكومة حيدر العبادي ولغاية حكومة عادل عبدالمهدي، عملت كلها على قطع الإنترنت أو حجب مواقع التواصل، في حال شهدت البلاد مناخاً احتجاجياً معيناً"، مبيناً أن "تظاهرات شباط 2011 وتظاهرات تموز 2018 وتظاهرات تشرين الأول 2019، عملت على تهديد سلطة الحكومة فعلياً، لهذا لجأت إلى ممارسات غير قانونية بحجة الحماية الوطنية والمصلحة العامة".
 
 
من احتجاجات بغداد الاثنين
وأكد نعناع أن "هناك دولا تفعل ما فعلته السلطة في العراق، حيث نجد ثمة تشابها في سلوكيات التعاطي السلبي مع المحتجين، الذي وصل إلى القتل العمد، كما تشهد ساحة التحرير في بغداد، وباقي الساحات الاحتجاجية بمختلف المحافظات، من قتل واضح وبرصاص حكومي حي، للأسف الشديد".
 
كما دعا إلى "ضرورة توخي الدقة الأمنية في التعامل مع أبناء الشعب العراقي من المتظاهرين"، لافتاً إلى أن "قرار قطع الإنترنت قرار يضع الحكومة في موقع الضعف وليس القوة".
 
عرقلة كبيرة
ومنذ الثلاثاء الماضي، يعود الإنترنت في فترات معينة وبطيئة جداً في بغداد وباقي المحافظات وسط وجنوب العراق. وخلال تلك الفترات تمكن الكثيرون من دخول مواقع التواصل من خلال تطبيقات "vpn"، ونشر فيديوهات لمقتل المتظاهرين.
 
ومنعاً لحالة انتشار الأخبار والمقاطع الموثقة، إزاء دموية الواقع الراهن، عمدت الحكومة إلى حجب الإنترنت كلياً، وحصره بساعات الدوام الرسمي، لتسيير أمور عمل الدوائر في القطاعين العام والخاص.
 
من جانبه، عبر الصحافي لؤي العتابي عن استيائه من هذا القرار، قائلاً: "أنا أعمل في وكالة صحافية، تبث الأخبار على مدار 15 ساعة في اليوم، وهذا لا يتم إلا عبر موقع الوكالة في الويب سايت"، مبيناً أن "ثمة عرقلة كبيرة في العمل الإعلامي والصحافي العراقي عموماً جراء هذه الخطوة الحكومية غير المدروسة".
 
 
وأكد العتابي لـ"العربية.نت" أن "تراجع الأداء الإعلامي الداخلي ينحصر في صعوبة التواصل مع شبكة مراسلينا طيلة اليوم"، مشيراً الى أن "التغطية الخبرية تكاد معدومة في الفترة المسائية لحجب الإنترنت بعد انتهاء ساعات الدوام من الصباحِ إلى النهار".
 
إلا أن الصحافي سالم الرماحي قال لـ"العربية.نت" إن مؤسسته "باتت تعتمد على الاتصالات الهاتفية السريعة لغرض كسب المعلومة ومواكبة العواجل والتطورات الآنية في البلاد"، لافتاً إلى أن "تلك الوسيلة كلفت مؤسستنا مبالغ كثيرة قياساً بمبالغ الاشتراك الشهري في خدمة الإنترنت".
 
خوف وقلق حكومي
وامتعض الكثير من الشباب العراقيين الناشطين في المجتمع المدني من قرار الحجب للإنترنت، مؤكدين لـ"العربية.نت" أن الحكومة تعيش قلقاً في حال بقاء هذه الخدمة التي توثق "جرائمها بحق المحتجين".
 
وقال حازم حسن، ناشط مدني من بغداد، إن "هذا القرار الحكومي المتعسف بمثابة إقرار رسمي بالخوف والقلق من توظيف السوشيال ميديا، داخل الاحتجاجات الشعبية القائمة اليوم"، مبيناً أن "مجمل العالم تعاطف مع العراق والعراقيين وساند التظاهرات بسبب المشاهدات العالية للصور والأفلام التي رصدت الحضور الجماهيري الكبير، وجرائم السلطة بحق الشعب".
 
بدوره، رأى كريم السراي، ناشط ومشارك في احتجاجات محافظة ميسان جنوب العراق، أن "الحكومة فقدت شرعيتها الرسمية وهي ترى أن الجميع ضدها من طبقات شعبية وقطاعات إعلامية وثقافية ونخبوية وأساتذة جامعات والكثير من الطلبة والطالبات، لذا هي استشعرت الخوف، فعملت على حجب أبرز الوسائل التي تنقل هذا الاحتجاج الكبير".
 
أما الناشط الكربلائي فالح موزان، فقال: "أنا أصور احتجاج المحافظة كل يوم، وأرسلها في صباح اليوم التالي إلى الأصدقاء المقيمين خارج العراق، لإعادة نشرها من خلال صفحاتهم في مواقع التواصل".
 
خسائر اقتصادية
وفي السياق ذاته، رجح اقتصاديون عراقيون خسارة البلاد من قرار حجب الإنترنت إلى قرابة المليار ونصف المليار دولار، وذلك منذ نهاية الشهر الماضي ولغاية الآن.
 
من جانبه، أكد ليث الساعدي، باحث اقتصادي، لـ"العربية.نت"، أن "الأرقام التي تتحدث عن خسارة العراق لمبالغ كبيرة فوق المليار دولار، أرقام تقترب من الصحة إن لم تكن صحيحة عموماً"، لافتاً إلى "اعتمادية الكثير من المصارف الأهلية والحكومية وشركات التصريف، ومجمل عالم المال والأعمال على خدمة الإنترنت".
 
كما أشار الساعدي إلى أن "التقديرات التي يمكن الوثوق بها لحد ما، حول المبالغ الخاسرة للقطاعي العام والخاص، تتراوح ما بين مليار و300 مليون دولار، والمليار و400 مليون دولار"، مبدياً خشيته "من استمرار هذا القطع المبرمج للإنترنت كل يوم".
 
إلى ذلك أكد أن "الحكومة وأسواقها الاقتصادية تسير في خسائر كبيرة، وعليها معالجة ذلك، لكي لا نقع في أزمات خانقة".
 
وتمثل الخسارة الاقتصادية جراء قطع الإنترنت في العراق ما يقرب من 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق شركة "نت لوكس" المتخصصة في مراقبة خدمة الإنترنت.
 
وقالت الشركة في تقرير لها إنه اتضح من البيانات أن "أكبر خسارة اقتصادية فردية لم تنجم عن انخفاض الإنتاجية أو نقص العمالة، وإنما من تشويش الحكومة على شبكة الإنترنت الخاصة بها".