لم يكن اللقاءان اللذان جمعا الرئيس سعد الحريري بالوزير جبران باسيل، سوى بداية لتكريس مواجهة هي الاولى التي تقع بينهما منذ سنوات. وقد أدّى فشل اللقاءين الى دخول «حزب الله» على خط التواصل مع الحريري، بعد ان تعذّر استمرار التواصل بينه وبين باسيل.
 

في المعلومات، انّ الحريري الرافض توزير باسيل أو تشكيل حكومة سياسية، يعتبر أنّ الاخير ينفّذ سياسة انتقامية، بعرقلة التشكيل، وذلك عبر الخطوات الآتية:

اولاً: يرفض باسيل الخروج من الحكومة، لأنّه يعتبر أنّ عدم توزيره، هزيمة كبرى، كما عدم توزيره، يعني تحميله مسؤولية استقالة الحكومة، ومسؤولية الانهيار الاقتصادي، في حين إذا نجح الحريري في تشكيل الحكومة الجديدة يكون قد ظهر بمظهر المنقذ، وهذا ما يرفضه باسيل الذي يشترط ان يكون في الحكومة اذا شكلها الحريري، او يكونان معاً خارجها.

ثانياً: باسيل هو من أوعز الى الرئيس ميشال عون بأن لا يحدّد موعداً للاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلّف، وهو يعتبر أنّ هذه الخطوة هي السلاح المتبقّي في يده لفرض شروطه على الحريري. وتضيف المعلومات، انّ عدم تحديد موعد التكليف سيكون مرشحاً للتمديد ما دام باسيل لم يضمن مقعده وحصته والوزارات التي يريدها في الحكومة، وقد باتت علاقته مع الحريري في هذه النقطة تتسم بالكيدية وبالتصلّب.

ثالثاً: كاد الرئيس عون يحدّد موعد الاستشارات في بداية الأزمة بعد أن اقتنع بأنّ باسيل يجب ان يتنحّى ليَسلم عهده، فأرسل بطلب اللواء عباس ابراهيم، وطلب منه العمل على الحل لولادة الحكومة من دون مشاركة باسيل، لكن الاخير نجح في تغيير موقف عون جذرياً واقنعه بأنّ عهده سينتهي اذا قَبل بخروجه من الحكومة، فغيّر عون رأيه، بعد ان كان اللواء ابراهيم قد انطلق بمبادرته فعلياً وأعلم الحريري بها، وعاد عون واستدعى ابراهيم وطلب وقف المبادرة.

رابعاً: في موازاة الكباش بين الحريري وباسيل، دخل «حزب الله» الى المفاوضات، وابتعد باسيل لكنه لم يتخلَ عن شروطه، أمّا الحزب فقد أبدى مرونة في ما يتعلق بطريقة اختيار من يمثله في الحكومة، لكنه امتنع عن ممارسة اي ضغط على باسيل للإفراج عن موعد استشارات التكليف، الذي سيبقى معلّقاً اقله في الـ 48 ساعة المقبلة ريثما تنتهي زيارة موفد الرئيس الفرنسي للبنان.

لعلّها المرة الاولى التي تصل فيها علاقة الحريري بباسيل الى هذا المستوى من التردّي. فالحريري وضع شرطاً من ضمن مجموعة شروط لتشكيل الحكومة وهو ان لا يكون باسيل في عدادها، وهو متمسّك بهذا الشرط لأنّه يعرف انّ باسيل في التشكيلة يعني سقوطها قبل توقيع المراسيم. أما باسيل فيستعمل صلاحيات الرئاسة الاولى في سابقة لم تشهدها تشكيل الحكومات، اذ تحوّل توزير شخص الى عائق لتشكيل الحكومة، كما تحوّل جهد جميع القوى السياسية لإنقاذ السفينة الغارقة الى سراب، فـ «القوات اللبنانية» و«الحزب الاشتراكي»، على سبيل المثال، اتفقا على عدم الدخول الى الحكومة، لتسهيل مهمة الحريري، وعدم اعطاء باسيل ذريعة للتمسّك بمطالبه، ورغم ذلك يصرّ على الاستمرار بالاشتباك مع الحريري، وعلى التصرّف كما لو انّ شيئاً لم يحصل في 17 تشرين الاول.