وصل الأمر عند هذه الطبقة السياسية الحاكمة(وريثة عهد الوصاية السورية)، إلى درجة من التّحلُّل والعفن لا يسمح لها بالاستمرار في الحكم، لذا خرج الشعب اللبناني ثائراً في وجهها، مُطالباً برحيلها منذ السابع عشر من تشرين الأول الفائت، وما زال يملأ الساحات العامة والشوارع، تصدح حناجره بشعارات التنديد والمطالبة بمحاسبة المسؤولين والسياسيين الذين أثروا ونهبوا المال العام، فضلاً عن ضرورة رحيلهم بعد استرداد الأموال المنهوبة التي كنزوها من كدّ الشعب وجُهده وعرَقه، ورغم مئات الألوف التي خرجت وجاهرت بمطالبها وأمانيها،  ما زال بعض حُماة هذه الطبقة السياسية الفاسدة يُكابرون ويُبشّرون بدوام عزّها وفضلها وصلاحها، فهم كما يدّعون، لم يتوانوا يوماً عن خدمة هذا الشعب "الجاحد"، ولطالما نبّهوا وحذّروا من مساوئ الفساد والتّهاون في القيام بالإصلاحات الضرورية، حسب ما خرج علينا به بالأمس وزير المالية علي حسن خليل(وهو للمفارقة في طليعة من تدور حوله شبهات فسادٍ عدّة)، أمّا الحاج محمد رعد، فقد خرج بدوره بالأمس شاهراً إصبعه على غير عادته، ليُنبّه المنتفضين بأنّ حزبه(حزب الله ) هو في الصّف الأمامي بمكافحة الفساد ونهب المال العام، والساعي ليلَ نهار في طلب الإصلاح والاستقامة في الإدارة العامة، ولولا بعض الحياء، لاتّهم الحاجُّ محمد ثوار السابع عشر من تشرين الأول بالسّطو على شعارات الحزب وأهدافه ومطامحه، لذا فهو مع الثورة، لكن الثورة النظيفة التي لا تشوبها شائبة، وبالطبع لم يُغفل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة من تبطين خطابه بعض عبارات التهديد والوعيد، انسجاماً مع ما سبقهُ إليه السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله.

وكان رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل قد دأبَ منذ فترة على رفع إصبعه في وجه "شعب لبنان العظيم" مُهدّداً بالجرف والتّأديب، والضرب بيدٍ من حديد (يد القضاء الموضوع تحت إمرته) لكلّ من يتطاول على العهد وسيّده، وتشاركه بالطبع جوقة مُنظّمة من التيار الوطني الحر وأنصاره، لا توفر فرصة لكيل الشتائم وتخوين الثورة إلاّ واغتنمتها، وأطلقت في وجه كل من خرج ثائراً على هذه الطبقة السياسية الفاسدة ما يندى له الجبين من الأوصاف المُقذعة، أمّا جموع الشعب اللبناني فتقول لهم وبالصوت الغاضب الذي يصدح بالحقّ: ما لكم تسمعون ولا تعون، وتشاهدون ولا تفهمون، وتفهمون ولا تتعجّبون، وتنظرون ولا تُبصرون، ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالدّاء؟.