منذ 26 يوماً الانتفاضة الشعبية مستمرة ، و السلطة السياسية تدور في حلقة مفرغة وتتهاوى الدورة السياسية في لبنان، فمن جهة يطالب الثوار باسقاط الطبقة السياسية ومحاسبتها، لكن هناك سؤال أساسي ومهم، من سيحاكم من إذا كان معظم الطبقة السياسية شريكة في الفساد ونهب البلاد، وخصوصاً في ظل هيمنة الطبقة السياسية نفسها على السلطة القضائية.
عندما قدم الحريري الورقة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة، ذكرت وكالة بلومبرغ إنها مجرد خطة لتأجيل يوم الحساب، وستؤدي في النهاية إلى جدولة الدين العام، بما يعني انحدار لبنان إلى مستوى دولة غير قادرة على سداد ديونها، ووكالة موديز رأت الأمر عينه، ورغم كل هذا تستمر المناورات السياسية والبلد ينهار اقتصادياً.
الاسبوع الماضي قالت موديز إنه في غياب تغيير سريع وكبير للسياسة، فإن تدهوراً سريعاً لميزان المدفوعات ونزوح الودائع سيهبطان بنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى الصفر أو أقل؛ مما سيؤجج مزيداً من الاستياء الاجتماعي والانتفاضة ويقوّض قدرة الدولة على السداد، وفي الوقت عينه قال حاكم المصرف المركزي إن وضع لبنان صعب للغاية.
26 يوماً على اندلاع الثورة في لبنان، والمسؤولون في رأس السلطة، يبحثون عن جنس الملائكة، وليس مبالغة القول الآن إن البلد واقع بين فكي كماشة قاتلة،من جهة مطرقة الانهيار المالي وسندان الافلاس  السياسي للسلطة من جهة ثانية، والبلد يبدو من دون سلطة تدرك فعلاً خطورة ما يجري.
بات من الواضح أن لبنان ذاهب إلى الانهيار؛ لأن هذه الأزمة المصيرية يمكنها بسبب العناد والتعالي والمشاوفة، ومحاولات مراكمة الشعبوية الطائفية ، وبسبب حسابات حافة الهاوية، بين تحالف حزب الله والرئيس ميشال عون وتياره السياسي، وكذلك بسبب الارتباك المتصاعد عند حزب الله في ظل انفجار المظاهرات الكبيرة في العراق، التي تطالب بخروج إيران التي تواجه ازمة اقتصادية خانقة جداً بسبب الضغوطات الاميريكية .وهكذا تساقطت رهانات السلطة السياسية تباعاً، حتى الان هذه السلطة لم تفعل شيئاً بينما كان المنتظر أن يسارع الرئيس عون إلى تحديد موعد لاستشارات نيابية لتكليف رئيس جديد بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، صحيح أن الدستور لا يلزمه بمهلة محددة، لكن الوضع المتفجر في البلد يفرض بالضرورة الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ، تحاول أن تستجيب لمطالب الانتفاضة، أو تجد حلاً للوضع المتفجر.
ورغم كل ذلك ذهب الرئيس عون إلى الاستمهال، أولاً ليوجّه خطاباً إلى الناس لمناسبة الذكرى الثالثة لبدء ولايته، وثانياً ليقف خطيباً في مظاهرة نظمها التيار الوطني الحر تأييداً له، ورغم هذا قال إنها ليست شارعاً ضد شارع، واعداً بمحاربة الفساد وبالنهوض الاقتصادي بالدولة المدنية وبتشكيل حكومة نظيفة، بما يوحي أن الحكومات السابقة كانت وسخة وبدت عملية تأخير الاستشارات وطرح صيغ حكومية يحملها باسيل إلى الحريري، وكأنها محاولة للإيحاء بما كان عليه الوضع قبل اتفاق الطائف الذي صار دستور البلاد، بمعنى أن رئيس الجمهورية هو من كان يشكل الحكومات ويختار لها رئيساً، ولهذا يقول البعض إن ما يجري هو بمثابة القول للحريري: نحن الذين نفصّل وأنت الذي تلبس، نحن الرأس وأنت القبعة!
لكن الرئيس الحريري والمنتفضين يرفضون كل هذا، وخصوصاً أن الحريري يقف عند استقالته التي قدمها إلى الشعب والثورة، وهو متمسك بضرورة عدم تجاوز مطالب الانتفاضة في حين يسعى الفريق الآخر الالتفاف على الانتفاضة من خلال حركة مفتعلة تراهن على تعب الشارع وملل الناس، الذين يتمسكون في مختلف مكوناتهم الشبابية والمناطقية والطائفية، بتشكيل حكومة حيادية غير مرتبطين بالأحزاب السياسية، لكي تباشر بالإصلاحات المطلوبة وتحقق مطلب استعادة الأموال المنهوبة، وهم لن يوقفوا حراكهم ما لم يحققوا هدفهم.
وتستمر السلطة في شراء الوقت، للبحث عن مخرج، بعد وضع سقف لا تريد التنازل عنه وهو تشكيل حكومة سياسية بدلاً من حكومة التكنوقراط. وهذا يعني أن المعالجات التي يتم البحث عنها هي معالجات سياسية لأزمة اقتصادية اجتماعية فجّرت المجتمع بكل تلاوينه 
لقد وصل الوضع الآن إلى حال استعصاء لا تُحتمل. الطرفان غير مستعدين للتنازل، وليس هناك أي اهتمام من قبل السلطة .
عندما زار الرئيس الحريري الرئيس عون اواخر الاسبوع الماضي، لم يتحدث عن أي تقدم، بل قال إن المشاورات مستمرة لتشكيل حكومة جديدة، لكن من الذي يجري المشاورات في غياب الاستشارات النيابية، وأي حكومة ستشكل في ظل استمرار الخلاف، وليس من يستمع جيداً إلى صراخ الانتفاضة في الشارع والليرة في الجيوب الفارغة، بما يضع لبنان امام مطرقة الانهيار المالي وسندان الافلاس السياسي.