عندما تجف منابع تمويل الفساد، سوف يهرب الفاسدون. هذه الدولة سوف تنهار من تلقاء ذاتها إذا عجزت عن نهب المزيد.
 

الفساد مثل الإرهاب أو أسوأ، ولا يملك العراقيون، في مواجهة دولة الفساد، إلا تجفيف منابعه. قطع موارد تمويل الميليشيات الطائفية، هو الحل الوحيد، الذي يمكنه أن يدفع النظام القائم إلى الهاوية، وأن يلفت انتباه العالم إلى ما يجري من جرائم في ظل سلطة الولي الفقيه في العراق.

لم تعد هناك أي حاجة لذكر الأدلة على عمق الفساد واستشرائه، في ظل هذا النظام. أهل الفساد أنفسهم يعترفون بأن دائرته باتت أوسع من قدرة أي أحد على وقفه. لقد أصبح نظام حياة. وهذا النظام لن يسقط إلا إذا واجه الإفلاس.

يحصد هذا النظام عشرات مليارات الدولارات سنويا من عائدات النفط. ويحصد العراقيون الفقر والبطالة والمرض. ولو أنهم، بأي نوع من الأعمال تمكنوا من وقف إيرادات دولة الفساد، فإنهم لن يخسروا شيئا في الواقع. الخاسر الوحيد هو الميليشيات، وصاحبها في قم وطهران.

العالم الذي يتعامل مع الجرائم والانتهاكات بطريقته المنافقة الراهنة، لن تصحو ضمائره إلا عندما يؤدي وقف صادرات النفط العراقية إلى ارتفاع أسعار النفط في العالم.

ضمير العالم الغربي مرتبط بجيوبه، فقط. وعندما تتأثر الجيوب، تصحو الضمائر.

العراقيون يعرفون أكثر من غيرهم طبيعة تلك الضمائر. إنها ضمائر أنذال. ولكن إذا كان من المفيد توظيف قدرتها على النفاق، فيجب أن تتأثر الجيوب.

لقد فشلت المقاومة المسلحة العراقية ضد الاحتلال في إكمال مهمتها، عندما تركت موارد النفط تتدفق لدولة المحاصصات الطائفية. وذهب الصراخ الذي صرخناه أدراج الرياح.

وها أن الكثيرين يصرخون مجددا الآن؛ اِقطعوا موارد تمويل هذا النظام، وهو سوف يسقط من تلقاء نفسه. داعموه أنفسهم لن يصبروا عليه طويلا، لأنه في ذلك الحين سيكون قد فشل في حماية مصالحهم.

وسائل قطع الموارد كثيرة. والأدوات متاحة. والإمكانيات متوفرة. وليس هناك، بعد أكثر من 260 قتيلا وعشرة آلاف جريح و35 مليون محروم ومظلوم وجائع، ليس هناك أي مبرر لكي يحصل هذا النظام على درهم واحد من موارد النفط.

كل يوم يمضي دون ذلك، إنما يعني قتلى وجرحى جددا يضافون إلى قائمة التضحيات.

هذا النظام لن يسقط، ولن يتغير، إلا إذا انقطعت موارده. وهذه الموارد ملك الشعب العراقي. إنها ملك المحرومين والمظلومين الذين يدفعون من ملكهم ثمن الجريمة التي ترتكب بحقهم كل يوم.

لا شيء، على الإطلاق، يبرر أن يستمر هذا الحال.

نعم، التظاهرات السلمية يجب أن تستمر وأن تتحول إلى عصيان مدني شامل. ويجب أن تظل رايات العراق تعلو وتعلو فوق الهامات، لتظل شاهدا على أمل بعراق يملكه الفقراء. كما يجب ألا يتورط أحد من المتظاهرين، وهم درع الحماة، بحمل السلاح. ولكن يتعين أن يعرف الحماة أنفسهم أن عليهم مسؤولية كبرى. وهي مسؤولية يجب أن ينهضوا بها الآن.

عندما تجف منابع تمويل الفساد، سوف يهرب الفاسدون بما نهبوا. لن يبقوا ساعة واحدة يوم لا تجد دولتهم سبيلا لدفع رواتب الجلاوزة والجزارين والرعاع من ميليشيات الحرس الثوري التي تتولى حمايتهم.

صغار اللصوص لن يدافعوا عن كبارهم. ودولة العفن سوف تنهار، وتنهار معها مصالح أصحاب الضمائر الميتة، والجيوب الحية.

لا شيء يبرر الانتظار. المعادلة واضحة، وهي بسيطة بساطة الحقيقة نفسها: إذا توفر التمويل، بقي الفساد، وبقي الفقر والظلم وضياع الكرامة.

العراقيون، أعني فقراءهم وعامتهم، أهل كرامة. وكرامتهم تُداس اليوم بنعال الولي الفقيه وأتباعه ولصوصه. وليس من الكرامة أن توفر سبيلا لهذا النعال لكي يرتع من مالك أنت، وحقك أنت، وحق أبنائك في الحياة.

لا شيء يبرر الانتظار. الشيء الوحيد الصحيح، في ظل هذه المأساة المتواصلة منذ 16 عاما، هو أن تذهب إلى جذرها بالذات. والجذر هو المال.

لقد نهبوا ليس المليارات ولا عشرات المليارات، بل مئات المليارات. ولم يشبعوا. وهم لن يشبعوا أبدا. ذلك أن الفساد عندما يتحول إلى “نظام حياة”، فإن بالوعاته تظل مفتوحة باستمرار، وتتسع باستمرار.

اقطعوا جذر الفساد. “شلع قلع”، كما يقول المتظاهرون أنفسهم. والشلع والقلع لن يكونا حقيقيَّيْن ولا تامَّيْن ما لم تجف منابع دولة الفساد.

كل مصافي وأنابيب التصدير يجب أن تتوقف. والكهرباء التي لا يحظى منها العراقيون إلا ببضع ساعات، من الخير أن تنقطع. لا فائدة منها طالما لا يهنأ بها إلا اللصوص والمجرمون.

هذه الدولة سوف تنهار من تلقاء ذاتها إذا عجزت عن نهب المزيد، وإذا عجزت عن خدمة مصالح النذالة التي تقف خلفهم.

مجرمو هذا النظام إنما يشنون حربا على 35 مليون إنسان. وككل حرب، فإنها تنطوي على خسائر مادية وبعض الأرواح. العراقيون يمكنهم، ببعض الخسائر المادية، أن يكسبوا هذه الحرب، إذا توقفت كل مصافي النفط، وانقطعت أنابيب تصديره.

لن تمر ساعات من بعد ذلك، وسترى إلى أين تذهب الطائرات والهيلوكوبترات. وينبلج فجر النجاة.