قوات النخبة في الحشد الشعبي توزعت بشكل سري في محيط بساحة التحرير بانتظار لحظة الهجوم.
 
كشفت مصادر سياسية وأمنية عراقية عن تفاصيل الخطة التي ينفذها الحشد الشعبي بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، للقضاء على حركة الاحتجاج التي دخلت أسبوعها الثالث، وألحقت ضررا كبيرا بصورة الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي حور المحتجون اسمه ليكون “قاتل عبدالمهدي”، بعدما تورط في مجازر ضد المحتجين، تسببت في موت وإصابة الآلاف.
 
وبدأت التظاهرات في المدن العراقية مطلع أكتوبر الماضي، لكنها بلغت ذروتها في الخامس والعشرين منه، مطالبة بتغيير النظام السياسي، الذي يقدم الولاء لإيران على جميع المصالح العراقية الأخرى.
 
وقالت المصادر إن مستشارين من الحرس الثوري الإيراني تحت الإمرة المباشرة للجنرال قاسم سليماني، وآخرين من حزب الله اللبناني تحت الإمرة المباشرة لمحمد كوثراني، يعملون عن كثب مع قادة الحشد الشعبي، لتنسيق عملية احتواء التظاهرات الآن، وتدمير أي مصادر قد تعيد تحريكها مستقبلا، في حال نجحت خطة قمعها في هذه المرحلة.
 
وتقوم الخطة على أكثر من مرحلة، الأولى تتعلق بالاستعداد التام لتنفيذ عملية عسكرية داخل ساحة التحرير وسط بغداد، هدفها قتل واعتقال أكبر عدد من المتظاهرين.
 
وذكرت المصادر أن قوات النخبة في الحشد الشعبي، انتشرت بشكل سري في ثلاثة مواقع تحيط بساحة التحرير، الأول في منطقة ساحة الفردوس والثاني في منطقة الخلاني والثالث في منطقة الصالحية، القريبة من السفارة الإيرانية والمنطقة الخضراء.
 
وأضافت أن قوات من منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري وحركة عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، وسرايا الخرساني، تشارك في هذه المهمة، وقد نشرت أسلحة خفيفة ومتوسطة، استعدادا لتنفيذ العملية في أي لحظة.
 
ويشارك الإيرانيون واللبنانيون قادة الحشد الشعبي الاعتقاد بأن القضاء على تجمعات ساحة التحرير في بغداد، كفيل بإخماد جذوة حركة الاحتجاج على مستوى البلاد.

وفي إشارة إلى هذه الخطط، قال النائب في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي “بعد تسلم عبدالمهدي فتوى آية الله العظمى السيد علي خامنئي بوجوب قتل المتظاهرين.. نسأل آية الله العظمى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني: ما حكم قتل المتظاهرين العزل تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة؟”.

وحث السيستاني قوات الأمن على تجنب استخدام القوة المفرطة لإخماد المظاهرات الدائرة منذ أسابيع، في الوقت الذي تواجه فيه السلطات أكبر أزمة في البلاد منذ سنوات.

وحمل السيستاني، عبر ممثله في خطبة الجمعة بكربلاء، قوات الأمن مسؤولية أي تصعيد في العنف وحث الحكومة على الاستجابة لمطالب المحتجين في أسرع وقت.

أما المرحلة الثانية من الخطة، فتستهدف ملاحقة الصحافيين والنشطاء والمتظاهرين خارج ساحات الاحتجاج.

ومنذ مطلع أكتوبر الماضي، ترفض السلطات العراقية السماح لوسائل إعلام أن تغطي تطورات حركة الاحتجاج بحرية.

وفي بعض الحالات لجأت إلى العنف لإسكات الأنشطة الإعلامية، على غرار إغلاق مكاتب قناتي العربية والحدث، وإحراق مكاتب قناتي دجلة وأن.آر.تي، وترويع الصحافيين وتهديدهم، حتى أن كثيرين منهم فروا إلى إقليم كردستان، خشية تصفيتهم.

وقالت المصادر إن القيادي البارز في الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، بمساعدة مستشارين لبنانيين ومن منظمة بدر، يشرف شخصيا على ملف الإعلاميين والنشطاء، بعدما سخر جميع أجهزة الدولة الاستخبارية لجمع معلومات تفصيلية عنهم.

وأضافت أن جميع أسماء الإعلاميين والنشطاء العراقيين مثبتة في قوائم أمام المهندس، مع تصنيف يتعلق بدرجة “خطورة” كل منها، إذ أن هناك تصنيفات بالتصفية العاجلة للبعض، لأنهم على صلة مباشرة بتحريك الشارع، على غرار ما حدث مع الصحافي أمجد الدهامات، الذي اغتاله مسلحون مجهولون في محافظة ميسان.

وهناك تصنيف ينص على “الاختطاف”، كما حصل مع الناشطة صبا المهداوي التي اختطفها مجهولون منذ أيام في بغداد.

وتقول المصادر إن الكثير من أسماء الصحافيين والنشطاء العراقيين موضوعة تحت تصنيف “الاغتيال المؤجل”، إذ تريد السلطات أن تنتهي التظاهرات، حتى تتفرغ لهذه العملية.

ومنذ بدء الاحتجاجات اختطفت وقتلت الميليشيات العراقية الموالية لإيران نشطاء وصحافيين عراقيين في بغداد ومدن الوسط والجنوب مثل شجاع الخفاجي وميثم الحلو وضرغام الزيدي وحسين الزبيدي، وآخرين.

وحين اتسعت دائرة الاحتجاجات وتزايد عدد القتلى والمصابين بات واضحا أن المخطط الوحيد الموضوع على مائدة الحكومة يستند إلى التصعيد وممارسة العنف الممنهج من غير الالتفات إلى دعوات ضبط النفس إعلانا من الحكومة أنها لا تملك ما تقدمه تلبية لمطالب المحتجين.

وأجمعت منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان الجمعة على أن الرصاص الحي لا يزال يستخدم في التصدي للاحتجاجات، بل إن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تُلقى مباشرة على المحتجين بدلا من قذفها فوقهم تسببت في مقتل ما لا يقل عن 16 شخصا.

وعرض أطباء ومستشفيات على وكالة رويترز صورا بالأشعة لعبوات غاز مسيل للدموع وقد اخترقت جماجم بعض المحتجين.

وقوبلت الاحتجاجات الشبابية بما يمكن اعتباره وعودا هزيلة وغير قابلة للتنفيذ، فقد كان واضحا أن الحكومة لا تملك القدرة على إصلاح الأوضاع التي أدت إلى انفجار الشارع العراقي.

وعندما ارتفع سقف المطالب ليشمل النفوذ الإيراني الذي يحتمي به النظام الطائفي القائم، كان ذلك مسوغا للميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني لنزع القرار من يد الحكومة ومعالجة الموقف وفق التعليمات الصادرة من إيران مباشرة وتشكيل غرفة عمليات مشتركة يشرف عليها قاسم سليماني المكلف من قبل خامنئي بإدارة عمل تلك الميليشيات.

ولم يستبعد مراقب سياسي عراقي أن تلجأ الميليشيات إلى القتل بشكل مباشر وعلني بعد أن مارست القتل عن طريق قناصين، وبعد أن تعلن الحكومة عن نيتها لتفريق التظاهرات بسبب ما سببته من ضرر للاقتصاد الوطني والحياة العامة.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب”، “قد يقوم المسلحون بتنظيم تظاهرات مضادة، يكون الغرض منها الاصطدام بالمحتجين السلميين وإلحاق أكبر ضرر بهم، وذلك من أجل تبرئة الجانب الحكومي مما يحدث خشية من أن يحمل دوليا مسؤولية القتل”.

وتوقع أن تذهب الأمور نحو الأسوأ بعد مضي أسابيع على الاحتجاجات من غير أن تظهر أي إشارات للحل.