جل الأحزاب المعنية بالمشاركة ترفض تصورات الحركة الإسلامية مقدمةً مقترحات أخرى كـ حكومة إنقاذ عبر حزب التيار الديمقراطي وحكومة الرئيس.
 
حسمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس الجمعة، أمر الانتخابات التشريعية بإعلانها في ندوة صحافية عن النتائج النهائية التي لم تتضمّن أي مفاجأة تذكر في ما يتعلق بترتيب الأحزاب الفائزة بمقاعد برلمانية.
 
وجاءت النتائج التي قدّمتها هيئة الانتخابات متطابقة مع ما صدر من أحكام قضائية أعلنت عنها المحكمة الإدارية في الأسبوع الماضي، وبهذا الإعلان أعطيت إشارة الانطلاق الرسمي لتشكيل الحكومة الجديدة، ليُكلف بعد ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيّد في غضون أسبوع حركة النهضة صاحبة الكتلة البرلمانية الأكبر برصيد 52 مقعدا بتشكيل الحكومة.
 
وستكون النهضة بصفتها الحزب الفائز في الانتخابات مطالبة باختيار الشخصية التي سترشحها لتولي رئاسة الحكومة في الأيام القادمة. ومن ثمة تقدم مقترحها إلى رئيس الجمهورية ليكلفها رسميا قبل موفى الأسبوع القادم (قبل 15 نوفمبر تقريبا) بتشكيل الحكومة.
 
وبعد ذلك ينطلق من الناحية الدستورية أجل الشهر الذي سيكون خلاله رئيس الحكومة المكلف مطالبا قبل 15 ديسمبر تقريبا بتشكيل الحكومة وعرضها على البرلمان لتعرض برنامج عملها وتنال ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه (109 أصوات) وإن لم تنل ثقة البرلمان، يكلف بعد ذلك الرئيس قيس سعيد الشخصية التي يرى فيها الكفاءة لتشكيل الحكومة. وقبل البدء الرسمي في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، تمسّكت حركة النهضة بوجوب أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من داخلها، حيث تم تداول اسم زعيمها راشد الغنوشي وكذلك قيادات نهضوية أخرى منها زياد العذاري وعبدالحميد الجلاصي لشغل منصب رئيس الحكومة.
 
ورفضت جل الأحزاب المعنية بالدخول في الحكومة خلال هذا الأسبوع، تصورات النهضة، لتقدّم مجدّدا مقترحات أخرى منها “حكومة إنقاذ” عبر حزب التيار الديمقراطي و”حكومة الرئيس” التي اقترحتها حركة الشعب وأخيرا حكومة مصلحة وطنية واقترحها حزب تحيا تونس الذي يقوده رئيس الحكومة الحالية يوسف الشاهد.
 
وعلى ضوء هذا الرفض، تشير الكثير من التسريبات إلى أن حركة النهضة بدورها قد بدأت تتخلى شيئا فشيئا عن تمسكها بقيادة الحكومة القادمة وإلى أنها تنظر الآن في بعض الأسماء المقترحة من خارجها وعلى رأسها مصطفى بن جعفر الرئيس السابق للبرلمان التونسي في فترة حكم “الترويكا” التي قادتها النهضة من 2011 إلى 2014 وكذلك اسم الخبير الاقتصادي الحبيب كراولي والمعروف بقربه من النهضة. وتأكّدت هذه التصورات، على إثر ما أدلى به لطفي زيتون القيادي في حركة النهضة والذي قال ليل الخميس في تجديد لمواقفه إنه “يرفض أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من داخل حركة النهضة” ويأتي ذلك بعدما قال في السابق إن “رئيس الحكومة يجب أن يكون شخصية سياسية كبيرة مقبولة داخليا وخارجيا”.
 
وأشار زيتون في تصريحات إعلامية محلية إلى أنه من الخطأ استثناء الحزب الدستوري الحر وقلب تونس (الحزبان محسوبان على النظام القديم) وإلى أنه لم يكن موافقا على هذا الأمر في الحركة.
 
وتابع قائلا “من هي حركة النهضة حتى لا تتشاور مع ممثلي جزء من الشعب التونسي مهما اختلفنا معهم سياسيا.. ومن هم حتى يرفضون توليها (حركة النهضة) رئاسة الحكومة”.
 
وربط المتابعون لتطورات مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، كلام لطفي زيتون بالرسالة التي توجّه بها مصطفى بن جعفر صبيحة الجمعة تحت عنوان “إنها فرصة تاريخية فلنتجنّب أخطاء الماضي”.
 
ودعا بن جعفر إلى “القطع مع منطق الإقصاء والكراهية والتفرقة، منطق الأزلام (رجال النظام السابق) والخوانجية (الإخوان)” وهو تصور يتطابق مع رؤى بعض قيادات النهضة المخالفين لآراء الغنوشي والداعين إلى أن يكون رئيس الحكومة من خارج حزبهم. وأكد رئيس المجلس التأسيسي في فترة حكم “الترويكا” على أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة “تفرض على جميع الاحزاب التواضع فالكلّ أقلّي ولا شرعية مطلقة لأيّ طرف، ولا بد، و في إطار مستلزمات الدستور، من الكفّ عن تعطيل سير الدولة فالوضع لا يتحمّل المزيد من التراخي. عندها ننطلق في إنجاز ما تتطلبه المرحلة المقبلة”.
 
ويذهب البعض إلى التأكيد على أن حركة النهضة لم يعد لديها أي خيار تناور به في مستقبل الأيام لدى التشاور حول الحكومة المقبلة سوى القبول بمقترحات الأحزاب التي ستشاركها الحكم وخاصة مراعاة تقبّل المنظمات الوطنية الكبرى وعلى رأسها اتحاد الشغل للأسماء التي سيتم اقتراحها لتشكيل الحكومة الجديدة.
 
وتشير الكواليس إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل لن يرفع الفيتو في وجه مصطفى بن جعفر لتقلد منصب رئيس للحكومة لكونه محل رضا من قبل الأحزاب يمينا ويسارا وكذلك نفس الشيء ينطبق على الحبيب كراولي الذي تم تداول اسمه في القترة الأخيرة على أنه من بين مقترحات الأسماء التي قدّمها الأمين العام للمنظمة الشغيلة نورالدين الطبوبي إلى حركة النهضة في مشاورات ثنائية جانبية وغير رسمية في الأسابيع القليلة الماضية.