قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات الأمن اللبنانية لم توقف هجمات على المتظاهرين السلميين من قبل ميليشيات تسلّحت بالعصي، والقضبان المعدنية، والأدوات الحادة. كما استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات وإزالة الحواجز. ينبغي للسلطات اللبنانية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المتظاهرين المسالمين والامتناع عن تشتيت التجمعات السلمية بالقوة.
 
وثقت هيومن رايتس ووتش ست حالات على الأقل تقاعست فيها قوات الأمن عن حماية المتظاهرين المسالمين من الهجمات العنيفة التي شنتها الميليشيات التي تسلحت بالعصي، والحجارة، والقضبان المعدنية. رغم أن قوات الأمن امتنعت إلى حد كبير عن استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وثقت هيومن رايتس ووتش أنها استخدمت القوة المفرطة لتفريق المحتجين في 12 مناسبة على الأقل. كما اعتقلت قوات الأمن تعسفا عشرات المتظاهرين المسالمين وحاولت منع الناس من تصوير حوادث الاحتجاج.
 
قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن قوات الأمن اللبنانية احترمت إلى حد كبير حق المواطنين في الاحتجاج، لكن ينبغي للسلطات أن تعلن بوضوح أنها لن تتسامح مع هجمات الميليشيات وستتوقف عن تفريق الاحتجاجات بالقوة دون سبب. ينبغي أن تحمي قوات الأمن المتظاهرين السلميين، ويشمل ذلك أن تكون القوات نفسها منتشرة ومجهزة بالعتاد المناسب في مواقع المظاهرات".
 
صرح "الصليب الأحمر اللبناني" أنه بين 17 و30 أكتوبر/تشرين الأول عالج 1,702 ممن أصيبوا في مناطق الاحتجاج، ونقل 282 مصابا إلى المستشفيات من مناطق الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد. وقال "الدفاع المدني اللبناني" لـ هيومن رايتس ووتش إنه في الفترة نفسها عالج عناصره 82 متظاهرا وست عناصر من قوى الأمن أصيبوا بجروح، ونقلوا 85 شخصا إلى المستشفيات من مناطق الاحتجاج. قال الدفاع المدني إن معظم عملياته جرت في وسط بيروت.
 
قابلت هيومن رايتس ووتش 37 متظاهرا قالوا إنهم شهدوا أو كانوا ضحية لهجمات عنيفة قام بها متظاهرون مناوئون لهم أو تعرضوا للقوة المفرطة على أيدي قوات الأمن في بيروت، وصور، والنبطية، وبنت جبيل، وصيدا، وجل الديب، والعبدة. قال خمسة أشخاص إن قوات الأمن منعتهم أو حاولت منعهم من تصوير الانتهاكات، وفي بعض الحالات استخدمت القوة المفرطة. طلب معظم الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عدم استخدام أسمائهم أو أسمائهم الكاملة لحمايتهم.
 
قال المتظاهرون إن قوات الأمن لم تتدخل لحماية المتظاهرين السلميين من المهاجمين العنيفين في ست مناسبات على الأقل في بيروت، وبنت جبيل، والنبطية، وصور.
 
راقبت هيومن رايتس ووتش هجوما واحدا مماثلا في وسط بيروت في 29 أكتوبر/تشرين الأول، عندما استخدم المئات من أنصار "حركة أمل" و"حزب الله" الحجارة والقضبان المعدنية لمهاجمة المتظاهرين السلميين الذين كانوا يغلقون جسر "الرينغ" في وسط بيروت، وخرّبوا خيام المتظاهرين وأحرقوها ونهبوا محتوياتها. لاحظت هيومن رايتس ووتش وشهود أن عناصر شرطة مكافحة الشغب والجيش الذين كانوا حاضرين لم يتدخلوا بشكل حاسم لوقف الهجوم أو اعتقال أي مهاجمين. استخدموا الغاز المسيل للدموع لتفريق المهاجمين بعد ساعتين فقط.
 
قالت هيومن رايتس ووتش إن سلطات الدولة اللبنانية تتحمل مسؤولية احترام الحق في حرية التجمع السلمي وحماية المحتجين من أي هجوم عنيف. ويشمل ذلك ضمان نشر قوات الأمن المدرّبة جيدا بأعداد كافية في مواقع المظاهرات، والتدخل في الوقت المناسب لمنع وقوع إصابات. ينبغي لها ضمان ملاحقة المسؤولين عن الهجمات العنيفة.
 
استخدمت قوات الأمن اللبنانية في بعض الحالات القوة المفرطة لإزالة الحواجز التي أقامها المحتجون في جميع أنحاء البلاد. لاحظت هيومن رايتس ووتش، كما قال شهود، أنه خلال هذه الحوادث، استخدمت قوات الأمن الهراوات وأعقاب البنادق لضرب المتظاهرين الذين كانوا يغلقون الطرق، وفي بعض الحالات احتجزت المتظاهرين. في إحدى الحالات، أطلق الجيش الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين الذين أغلقوا الطريق في بلدة العبدة شمالي لبنان.
 
أقرّ الجيش اللبناني بحق المتظاهرين في الاحتجاج والتجمع السلميَّين، لكنه أكد على وجوب فتح الطريق من قبل المتظاهرين وتجمعهم في الساحات العامة. لم توضح السلطات سبب اعتقادها أنه من الضروري إزالة العوائق التي تغلق الطرق أو تفريق المحتجين بالقوة في أي من الحوادث التي وثقتها هيومن رايتس ووتش.
 
رصدت هيومن رايتس ووتش في مناسبات عديدة قيام المتظاهرين بإزالة حواجز الطرق على الفور أمام سيارات الإسعاف، والطواقم الطبية، والعسكريين. أكد الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني أن المتظاهرين فتحوا الطرق لسيارات الإسعاف.
 
وفقا لـ "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين"، اعتقلت السلطات اللبنانية بين 17 أكتوبر/تشرين الأول و4 نوفمبر/تشرين الثاني 200 متظاهر على الأقل، بما في ذلك في بيروت وصور. حتى 4 نوفمبر/تشرين الثاني، كان 19 منهم ما زالوا رهن الاحتجاز. روى خمسة من المعتقلين لـ هيومن رايتس ووتش كيف تعرضوا للاعتداء على أيدي قوات الأمن أثناء اعتقالهم.
 
حرية التجمع السلمي هي حق أساسي، وبالتالي يجب التمتع بها دون قيود إلى أقصى حد ممكن. أقرّ خبير الأمم المتحدة المعني بحرية التجمع بأن "سير حركة المرور بدون عوائق يجب ألا يكون له الأسبقية تلقائيا على حرية التجمع السلمي". أيضا، خلص خبيران من الأمم المتحدة إلى أن "التجمعات هي استخدام شرعي على قدم المساواة للفضاء العام كنشاط تجاري أو حركة المركبات وحركة المشاة، وبالتالي "يجب التسامح مع مستوى معين من الاضطراب في الحياة العادية الناجم عن التجمعات، بما في ذلك تعطيل حركة المرور، والإزعاج، وحتى الأذى للأنشطة التجارية، ولذلك لكي لا يُفرّغ [هذا] الحق من مضمونه".  
 
لا يسمح القانون الدولي بتفريق التجمع السلمي إلا في حالات نادرة، بما في ذلك إذا كان التجمع يمنع الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الطبية، أو يشكل عرقلة جدية ومستمرة لحركة المرور أو الاقتصاد. يقع على عاتق السلطات تبرير القيد وإثبات الطبيعة الدقيقة للتهديدات التي يمثلها التجمع. أيضا، يجب أن يكون المنظمون قادرين على الطعن في مثل هذه القرارات في المحاكم المختصة والمستقلة. حتى عندما يحق لقوات الأمن تفريق التجمعات غير العنيفة بشكل قانوني، ينبغي لها تجنب استخدام القوة إلى أقصى حد ممكن.
 
ينبغي للسلطات اللبنانية أن تحقق بشكل نزيه في مزاعم الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن في الاحتجاجات. يجب أن يحصل ضحايا الاستخدام غير المشروع للقوة على تعويض سريع وكاف. يجب إطلاق سراح المحتجزين الذين لم توجه إليهم تهم بارتكاب جريمة معروفة.
 
قال ستورك: "إذا كانت السلطات اللبنانية جادة في حماية حق المواطنين في الاحتجاج، فينبغي لها التحقيق في التعديات المزعومة ومحاسبة المسؤولين عنها. عندها فقط سيكون لدى اللبنانيين ثقة كاملة في قدرة قوات الأمن على حمايتهم في معركتهم ضد الفساد وغياب المحاسبة".