كان لافتا بكل مقدمتك، تغييبك المتعمد للمتغير المفصلي الذي نعيشه هذه الايام والذي يصنعه الجيل الجديد والشباب المثقف والواعي والجامعي وعبورهم فوق كل ما انتجه جيلك من طائفية ومناطقية ومذهبية ورؤية متخلفة عن صورة الوطن وذهاب هؤلاء الى رؤية وطنية عارمة تلمسنا ارهاصاتها في كل الساحات وتحت العلم اللبناني وفي شعارات الثورة.
 
استمعت الى مقدمة الاعلامي جورج غانم في برنامج "صار الوقت"  لأخيه الاعلامي مارسيل، وما جاء فيها من تحذيرات ومخاوف أقل ما يقال فيها أنها دعوة صريحة للمتظاهرين وشباب الثورة المنتفضين لليوم الثاني والعشرين بالعودة سريعا إلى بيوتهم والسكوت عن كل عمليات النهب المنظم لخيرات البلاد من هذه الطبقة  السياسية الفاسدة والمجرمة بحق الوطن قبل ذهاب البلاد إلى حرب أهلية (! ) كالتي شهدناها في لبنان.
 
في هذه المقدمة "التاريخية"، والتي تشتمّ منها بسهولة عفن الاستغراق في متحف لبنان المظلم تفتقد الى الحد الادنى من الموضوعية والحيادية، فضلا عن أي حرص أو نصيحة أو اجتراح حلول أو اقتراح مخرج أو إضاءة شمعة من إعلامي مخضرم المفترض أنه مشبّع بتجارب الماضي وقراءة مخاطر مراحل سابقة كي يبعد عن الوطن هذه "المخاوف" التي ساقها سوقا، وعمل على إسقاطها على واقع الحال وعلى المستقبل القادم وكأن الزمن هو الزمن بدون أي متغير لا سيكولوجي ولا معرفي !! وكأن الناس محكومون لحركة التاريخ بدون أن يكون لهم أي دور في صناعته أو صناعة المستقبل !! 
 
عزيزي جورج، إن محاولتك إسقاط التاريخ على الحاضر (لا ادري إن كان حسن نية أو عن سوء نية) في هذه الدقائق المعدودة ومحاولتك "التحذير" من الوصول الى نفس النتيجة (الحرب الاهلية) هو قياس مع الفارق، وبالتالي هو قياس باطل، وسأحاول بدوري في هذه العجالة ومن باب تطمينك والذهاب بمخاوفك بسرد بعض المغالطات التي وردت في مداخلتك.
 
- ليس صحيحا أن كل التظاهرات المطلبية في لبنان انتهت الى حروب ففي سبعينيات القرن الماضي شهدت البلاد عشرات من التحركات النقابية والمطلبية وانتهت معظمها الى تحقيق المطالب.
- تصوير ازمة تشكيل الحكومة العتيدة وكأنها أزمة سياسية بين اقطاب السلطة فقط (حزب الله بري – سعد الحريري جنبلاط جعجع)، هو مجاف للحقيقة فالناس قالت كلمتها وحسمت خياراتها بضرورة تشكيل حكومة من خارج الاحزاب والحريري ليس رئيسها، فمشكلة التشكيل هي بالحقيقة بين رغبة الناس من جهة وتمسك احزاب السلطة بحصصهم من جهة أخرى .
- تشبيهك التظاهرة المطلبية التي قادها الشهيد معروف سعد ضد شركة بروتايين التي يرأسها كميل شمعون، بالثورة العارمة اليوم والتي تعم كل المناطق اللبنانية من أقصى الشمال إلى آخر ضيعة في الجنوب هو تشبيه مغرض ولا يمت للواقع بصلة. 
- ذكرك للازمات المعيشية في الحقبات الماضية الناتجة عن إستئثار فئة من اللبنانيين (المارونية السياسية) وبغض النظر عن صحة التشخيص السائد حينها،، بالازمات المعيشية التي نمر بها هذه الايام الناتجة عن فساد الطبقة السياسية بعيدا عن انتماءاتها الدينية او المذهبية وحتى الحزبية، هذا الاسقاط فيه من السذاجة الشي الكثير فالناس الآن تقول "كلن يعني كلن" .
- تخويف الناس (والاعتذار من الفقراء والمساكين والجوعى ) الذين يتأملون خيرا بأن هذا الحراك (الثورة) سيجلب لهم الطحين والخبز والكهربا!! هي دعوة اقل ما يقال فيها بأنها سخيفة ومغرضة إذ كيف يمكن لهؤلاء أن يستحصلوا على الحد الادنى من حقوقهم الطبيعية واسترجاعها من ساريقيهم اذا لم ينتفضوا ويسترجعوها بأيديهم ؟!!
 
 ومن غير الصحيح أن مسرحيات الاستدعاء الى القضاء الآن وصحوة هذا القضاء المفاجئ قد صدقتها الناس كما ادعيت، فالناس أوعى من ذلك بكثير 
- ختاما وهو الأهم يأتي تشبيهك "السلاح الفلسطيني" المتواجد يومها بقرار اقليمي دولي (اتفاق القاهرة) والذي دخل كلاعب كبير في تغيير التوازنات الداخلية على حساب تخليه عن  وظيفته الاساسية كسلاح مقاوم ،، لم يكن هذا السلاح الفلسطيني سببا في الازمة المعيشية ولم يؤثر على الحالة الاقتصادية بل على العكس كان واحدا من مصادر ضخ المال الى السوق اللبناني، مما يعني أن الانقسام حوله كان انقساما سياسيا محض، على عكس سلاح جزب الله، المحييد كليا عن هذا الحراك ( الثورة ) اليوم، كون خروج الناس الى الشارع هو خروج مطلبي معيشي حياتي وليس خروجا سياسيا، واذا ما كان للخارج (اميركي – سعودي) اجندة وهدف من وضع هذا السلاح على طاولة الملفات الاشكالية فإن الناس المنتفضة هي في مكان آخر ولا يعنيها بتاتا هذه الغايات، مما يعني أن إسقاط هذه " المؤامرة " المتوهمة يمكن تخطيها بسهولة وسلاسة عبر تحقيق مطالب الناس والاسراع بتشكيل حكومة انقاذية همها الاول والاخير محاربة الفساد وإعادة المال المنهوب .
 
الملاحظة الاخيرة استاذ جورج،  كان لافتا بكل مقدمتك، تغييبك المتعمد للمتغير المفصلي الذي نعيشه هذه الايام والذي يصنعه الجيل الجديد والشباب المثقف والواعي والجامعي وعبورهم فوق كل ما انتجه جيلك من طائفية ومناطقية ومذهبية ورؤية متخلفة عن صورة الوطن وذهاب هؤلاء الى رؤية وطنية عارمة تلمسنا ارهاصاتها في كل الساحات وتحت العلم اللبناني وفي شعارات الثورة ... فأنا على يقين بأن هؤلاء حين استمعوا إليك والى "تحذيراتك " و "نصائحك " كان ردهم العفوي والبديهي عليك هو : "ليك وين بعدو" !!!! فيرضى عليك خففلي تحليلاتك .