ألم يكن من الأفضل للسلطة لو أنّها أجرت استشارات نيابيّة لتكلف مَنْ يُشكّل حكومة جديدة والطرق مفتوحة والأعمال تسير طبيعيّاً، على تأخير إجرائها إلى أن يصير اتفاق على التأليف قبل التكليف والطرق مقطوعة والأعمال مُعطَّلة والخسائر الكبيرة تلحق بالوطن والمواطن؟!
 
صحيح إنّ المشترع لم يُحدِّد وقتاً لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابيّة لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، ولا حدَّد مهلة للرئيس المكلّف تشكيل الحكومة لأنّه اعتمد في تحديدها على اليات العملية الدستورية وضرورة مراعاة المصلحة الوطنية  ، إذ لا يعقل عندما تكون البلاد تواجه مرحلة دقيقة وحسّاسة سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً أن يُلعَب بالوقت تحقيقاً لأهداف وغايات خدمة لمصالح ذاتيّة أو خدمة مصالح خارجية. فلو كان مراعاة المصلحة الوطنية وتسيير امور الدولة  ، لما تم استُخدام إضاعة الوقت لتحقيق غايات ومآرب على حساب مصالح الوطن والمواطن، بل لكانت الاستشارات النيابيّة لتسمية مَنْ يُكلَّف تشكيل الحكومة قد بدأت فور استقالة الحكومة، ولكان مَنْ سيُكلَّف تشكيلها باشر عمله وفقاً لأحكام الدستور، وما كانت الأزمة تتفاقم في الشارع، بل كان مجلس النوّاب هو الذي يقول كلمته في شكل الحكومة، سياسيّة كانت أم تكنوقراطيّة أم مختلطة أم من اختصاصيّين مستقلّين لا ينتمون إلى أحزاب. فبعيداً من السجالات السياسية، وإنطلاقًا من أحكام الدستور ونصوصه، وتأسيسًا على المبادئ التي ترعى النظام البرلماني وقواعده، والقائمة على الفصل بين السلطات وتعاونها وتوازنها، فمن الثابت أنّ تشكيل الحكومة في لبنان، يمّر في أربع مراحل تتكامل ويترابط بعضها ببعض، فلا إنقطاع فيها، ولا يمكن تجزئتها، أو الخلط بينها، أو تقديم مرحلة على أُخرى، لغاية في نفس يعقوب، أو لإمرار صفقة مشبوهة بتوزير هذا او ذاك من الأفراد أو الشخصيّات أو المقامات، بحيث تؤدي كل سُلطة من السُلطات الدستورية خلالها، دورها الكامل، وفقًا لأحكام الدستور، وتطبيقًا لمبادئ النظام البرلماني، في مناخ من التعاون والإحترام المتبادل، بهدف تحقيق الخير العام، والإلتزام المُطلق بالمصلحة العامة.
 
حكومة التكنوقراط غير مقبولة، براي البعض، بمعنى أنها تعني النأي بالنفس، وهذا ما يفتح الباب لتدَخّل دول وجِهات خارجية في الشأن الداخلي اللبناني، ما يزيد الشرخ بين القوى السياسية التي عليها التعاون على معالجة الأزمة.
في حين أنّ اتفاق الطائف، الذي انتقلت بموجبه السلطة التنفيذية من يد رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، يفرض أن تكون الحكومات سياسية لأنّ صلاحيات السلطة التنفيذية، أُنيطت بمجلس الوزراء مجتمعاً، وباتَ السلطة التنفيذية الجامعة التي تتمثّل فيها كل مكوّنات المجتمع اللبناني.
 
والمقبول في هذا السياق، براي ذاك البعض، هو أن تكون الحكومة سياسية مطعّمة بوزراء من التكنوقراط، أو حكومة تكنو سياسية، بحيث يكون وزراؤها سياسيون من التكنوقراط، تختارهم القوى السياسية التي يتقرّر تمثيلها وزارياً، ومثل هذه يمكن لأي شخص أن يتولّاها في حال نال تأييد تلك الأكثرية النيابية.
 
أمّا في حال عدم الاتفاق على شخص رئيس الحكومة الجديدة وعلى تركيبتها الوزارية أسماء وحقائب، فإنه يُخشى في هذه الحال أن تدخل البلاد في فراغ حكومي الى أجل غير معلوم.
 
والسؤال المطروح هو: هل بات لبنان لا يُحكَم إلّا بحكومات وحدة وطنيّة وإنْ كاذبة منذ العام 2005، رغم أنّها كانت كلّها فاشلة وغير مُنتجة؟ لا بل السؤال الاكثر الحاحاً هو لماذا الاصرار من قبل البعض على ترميم التسوية بالوقت الذي يعاني البلد من سلسلة من الازمات التي تهدد المصير الوطني برمته . فلماذا كل هذا الاصرار والتعنت ، علماً إنّ في الإمكان تأليف حكومة اختصاصيّين لو أنّ النيّات سليمة ولم يكن بعض الأحزاب تمسّك بالكراسي لكسب سياسي أو مادي او لغاية في نفس يعقوب.
 
الواقع أنّ النظام السوري هو أوّل مَنْ أصرَّ على تأليف حكومات وفاق وطني في لبنان وجعل اتفاق الطائف ينص على ذلك كي تظل هذه الحكومات توافق على بقاء القوّات السورية في لبنان وهو ما حصل، وأن هذا النظام أصرَّ أيضاً على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة ليعرقل إقرار النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان والناظرة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وهو ما حصل عندما استقال وزراء موالون للنظام السوري لتعطيل إقرار نظام المحكمة، فاعتُبرت الحكومة بعد استقالة هؤلاء الوزراء حكومة عرجاء وغير ميثاقيّة، وأُقفلت أبواب مجلس النوّاب في وجه المشاريع التي تحيلها عليها. وإذا كان حزب الله ومَن معه يصرّ على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة ورفض حكومة اختصاصيّين مستقلّين، متحدّياً إرادة الشعب الغاضب في الشارع، والذي يطالب بتشكيل مثل هذه الحكومة المُنسجمة والمُتجانسة والمؤهّلة لإجراء الإصلاحات المطلوبة وتنفيذ مشاريع سيدر بسرعة وشفافيّة، فلكيّ يحول حزب الله دون إقامة دولة لا سلاح غير سلاحها، ولا التزام سياسة النأي بالنفس حرصاً على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسّسات، وليبقى لبنان ساحة مفتوحة لصراعات المحاور، وهي الآن مشتدّة بين أميركا وإيران، علَّ إيران تغلب أميركا في لبنان، كما قال المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة آية الله علي خامنئي قبل سنة.
 
ألم يكن من الأفضل للسلطة لو أنّها أجرت استشارات نيابيّة لتكلف مَنْ يُشكّل حكومة جديدة والطرق مفتوحة والأعمال تسير طبيعيّاً، على تأخير إجرائها إلى أن يصير اتفاق على التأليف قبل التكليف والطرق مقطوعة والأعمال مُعطَّلة والخسائر الكبيرة تلحق بالوطن والمواطن؟!