تحتاج النباتات مثلنا تماما إلى الماء من أجل البقاء، ولكن لا يعني هذا أنها تستمتع بهطول الأمطار أكثر منا نحن البشر؛ ففي اكتشاف مذهل -نُشر حديثا في دورية "بناس" العلمية بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- تبين للعلماء أن النباتات تُظهر استجابة مباشرة مع بدء تساقط الأمطار كأنها تصاب بحالة من "الذعر".
 
وضع الدفاع
قد يبدو هذا غريبا للوهلة الأولى، إذ يفترض أن الماء هو مصدر للحياة وليس الموت. ويفسر خبراء النبات هذا الأمر بأن الرطوبة هي السبب الأول -حتى أكثر من الحرارة- لانتشار الأمراض بين النباتات؛ فكلما كانت الورقة مبللة أكثر زادت فرصة تعرضها للعوامل المُمرِضة.
 
ويشرح الدكتور هارفي ميلار عالم النبات في جامعة أستراليا الغربية -في ما نقله موقع "ساينس ألرت"- هذه الآلية قائلا "عندما تصطدم قطرات المطر بأوراق النبات، ترتد بعض القطيرات المائية في جميع الاتجاهات، وقد تحتوي هذه القطيرات على البكتيريا والفيروسات أو الجراثيم الفطرية؛ وبالتالي يمكن لقطرة واحدة أن تنشر هذه الجراثيم للنباتات المحيطة بها لمسافة تصل إلى عشرة أمتار".
 
وبعبارة أخرى، فإن رد فعل النبات للمطر يشبه تماما رد فعلك عندما يعطس شخص ما تجاهك. بالطبع ليس أمرا لطيفا، إذ يدفعك مباشرة لتبني وضع الدفاع.
 
استجابة سريعة لسقوط الأمطار
بمحاكاة المطر مستخدمين زجاجات الرش، لاحظ فريق دولي من الباحثين التأثير المتسلسل والسريع للتغيرات الدقيقة التي تحدث للنباتات، والتي يُحدثها بروتين "ميك2" (Myc2).
 
فخلال الدقائق العشر الأولى من ملامسة الماء لسطح النبات، تبدأ العديد من الجينات (سبعمئة جين) الاستجابة، كما تزداد معدلات التعبير الجينية لمعظم هذه الجينات لمدة ربع ساعة؛ مما ينتج عنه تغيير في عمليات النسخ وتخليق البروتين والتوازن الهرموني، وذلك قبل عودة هذه النباتات إلى حالتها الطبيعية مرة أخرى.

وبمجرد لمس الماء لها، أكد العلماء أن هذه النباتات راكمت إشارات خلوية على الفور مثل الكالسيوم، كما فعَّلت استجابات أغشيتها للمس، وغيَّرت من عمليات النسخ على مستوى الجينوم بأكمله. ورغم أن هذه التغيرات كانت لحظية، فإن التعرض المتكرر للماء أدى في النهاية إلى توقف نمو النبات وأعاق ازدهاره.

ويفسر ميلار هذه الاستجابة بأنه "بمجرد تنشيط "ميك2" تُستَحث الآلاف من الجينات لتجهيز آليات النبات الدفاعية، ومن ثم تنتقل إشارات التحذير هذه من ورقة إلى أخرى، محفزةً بذلك العديد من الآليات الوقائية".

إجمالا، وُجِد أن ما لا يقل عن عشرين من هذه الجينات تم استهدافها وتنظيمها بواسطة "ميك2"، وذلك فور سقوط رذاذ الماء عليها. والأكثر من ذلك أن الإشارات ذاتها التي استخدمتها النباتات لنشر المعلومات بين أوراقها هي نفسها التي تستخدمها للاتصال مع جيرانها من النباتات.

"بنيان مرصوص"
وكاستجابة أخرى لقطرات الماء، تُنتج هذه النباتات العديد من المواد الكيميائية، ومن بينها حمض الجاسمونيك الذي ينظم العديد من العمليات الفسيولوجية، التي تساعد في نمو النبات وكيفية تعامله مع الإجهاد.

علاوة على ذلك، عندما تُحمَل هذه الجاسمونات الكيميائية جوا، فإنها تعطي الفرصة لغيرها من النباتات المجاورة لاستشعار ما يحدث في بيئتها المحيطة لكي تتمكن من المجابهة.

وتعقيبا على هذه النتائج، يضيف ميلار أنه "إذا تم تفعيل الآليات الدفاعية في النباتات المجاورة، فإن هذا يحد من انتشار الأمراض؛ ولذلك تجد النباتات أنه من المفيد لها نشر إشارات التحذير هذه إلى النباتات المجاورة".

وبالتالي فالأمر يتعلق بالاتصال؛ فإن أردت حماية نفسك كالنبات، عليك الاتصال بنفسك وبمن حولك.

وفي وقت سابق مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي أظهرت دراسة أخرى أنه عند تعرض النباتات لأي هجوم، فإنها تطور لغة لتحذير جيرانها من المفترسات الخطرة.

لا شك أن المطر يعد أخف ضررا؛ إذ لا يحمل عقوبة الإعدام لهذه النباتات كما تفعل المفترسات، لكنه أحيانا قد يسبب ضررا بالغا؛ ومن هنا يأتي الذعر.