رئيس الوزراء العراقي يقاوم الدعوات المتزايدة لاستقالته وإجراء تعديل حكومي ويتبنى موقفا أكثر حدة تجاه المتظاهرين.
 
يجد رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي نفسه محاصراً ومعزولاً وأن سلطاته بصنع القرار وفريق مستشاريه باتت خاضعة لضغوط متزايدة من إيران، فيما تعم الاحتجاجات المناهضة للحكومة البلاد.
 
ووصل عبدالمهدي (77 عاما) إلى السلطة العام الماضي، نتيجة تسوية سياسية بين رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، زعيم أكبر كتلة برلمانية، وزعيم تنظيم بدر المقرب من إيران هادي العامري، وبمباركة المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في البلاد.
 
وكان ينظر إلى عبدالمهدي على أنه صاحب خبرة وقادر على إيجاد حلول لمسألة البطالة والفساد، خصوصاً أنه أول رئيس وزراء في العراق بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية.
 
وتوقع مراقبون أن تؤدي احتجاجات صيفية إلى إنهاء ولايته مبكراً، حتى أنه هو نفسه قال في أكثر من مناسبة “كتاب استقالتي في جيبي”.
 
لذا، عندما انطلقت الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والبطالة مطلع أكتوبر الماضي، جهز عبدالمهدي خطاب الاستقالة لتوجيهه إلى الشعب عبر التلفزيون، لكنه لم يتمكن من الإدلاء به.
 
ويقول مسؤولون إن عبدالمهدي “كان جاهزاً تماماً للاستقالة خلال الأسبوع الأول من الاحتجاجات، لكنه بقي تحت ضغط أطراف عدة”.
 
وبدلاً من ذلك، ظهر رئيس الوزراء في خطاب مسجل تم بثه عند الثانية فجراً من يوم الثالث من أكتوبر، مقدماً خلاله جملة مقترحات لإصلاحات أغضبت الشارع.
 
ومذ ذاك الحين، قاوم عبدالمهدي الدعوات المتزايدة لاستقالته وإجراء تعديل حكومي، متبنياً موقفاً أكثر حدة تجاه المتظاهرين، فيما يرى مراقبون أن رئيس الوزراء أسير الأحزاب السياسية التي أتت به إلى السلطة.
 
بقاء عادل عبدالمهدي في منصبه ضروري لإيران والميليشيات التابعة لها في العراق
 
وقال الكاتب العراقي فاروق يوسف “يبدو عبدالمهدي كما لو أنه رئيس وزراء رغما عنه. فهو وإن اعتلى بالصدفة منصبه باعتباره رجل تسوية خطط لها على عجل فإن موقعه في نظام طائفي مصر على الاستمرار في امتيازاته غير المقبولة من الشعب جعله يبدو أشبه بالدمية التي تلعب بها أياد خفية، وصار عليه أن يكون واجهة لمصالح أصحابها”.
 
وأكد يوسف في تصريح لـ”العرب” على أن رئيس الوزراء العراقي لا يمتلك هامشا للحركة باعتباره رجل القرار السياسي الأول في العراق. لقد قيدت حركته لتشمل حريته في الاستقالة، بحيث صارت تلك الاستقالة رهن قرار إيراني يفضل عدم تقديم تنازلات إلى المحتجين خشية أن تؤدي التضحية برجل غير نافع كعبدالمهدي إلى انهيار النظام كله وبذلك تفقد إيران الركن الأساس من نموذجها في المنطقة. وهو ما سيؤدي إلى انهيار مشروعها في المنطقة.
 
ويعد بقاء عادل عبدالمهدي في منصبه، وإن كان ذلك بطريقة رمزية، ضروريا لإيران والميليشيات التابعة لها في العراق لأنه يبقي الواجهة “الشرعية” في مكانها وهي الواجهة التي يمكن لإيران من خلالها أن تنفذ مخططها للإجهاز على المحتجين. فإن نجحت في ذلك فإن التخلص من عبدالمهدي سيكون ميسرا أما إذا أخفقت فإن عبدالمهدي سيكون وحده المسؤول عن الجرائم التي ترتكبها ميليشياتها كونه الرجل الأول في الدولة.
 
وأسفرت الموجة الأولى من الاحتجاجات بين الأول والسادس من أكتوبر عن مقتل 157 شخصا على الأقل، غالبيتهم من المتظاهرين الذين قضوا بالرصاص الحي في بغداد، بحسب أرقام رسمية.
 
وبعد 18 يوماً من الاستراحة بسبب الزيارة الأربعينية، استؤنفت الاحتجاجات في الرابع والعشرين من أكتوبر، لكنها اتخذت طابعاً آخر.
 
وبدأت اعتصامات وإضرابات مفتوحة في المدارس والجامعات والنقابات والدوائر الرسمية، وقطع المتظاهرون طرقا رئيسية عدة. لكن عبدالمهدي قال إن هؤلاء يستخدمون كـ”دروع بشرية” من قبل “مندسين”.
 
 
ويقول أحد المسؤولين إن رئيس الوزراء “يعيش داخل فقاعة، ويتم إبلاغه بأن الاحتجاجات مؤامرة ضد حكومته، وأن عليه البقاء في السلطة. لقد بدأ يقتنع بذلك”.
 
وأكد مصدران لوكالة الصحافة الفرنسية أن هناك قطيعة حالياً بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية برهم صالح الذي كان يعتبر أهم حلفائه، خصوصاً أن رئيس الوزراء لا يمتلك أي قاعدة شعبية.
 
ويشير مسؤول إلى أن “صالح كان أول من اقترح إيجاد بديل لعبدالمهدي، وساءت العلاقة بينهما بعد ذلك”.
 
وعقد رئيس الجمهورية اجتماعات عدة مع القيادات السياسية لوضع خارطة طريق من أجل إجراء انتخابات نيابية مبكرة قد تؤدي إلى اختيار رئيس جديد للوزراء. لكن عبدالمهدي استبعد هذا المقترح الثلاثاء، لأنه “يعتقد أنه إذا سقط، فعلى الجميع أن يسقط معه”، بحسب مسؤول عراقي.
 
ويلفت آخرون إلى أن رئيس الوزراء كان أيضاً يخضع لضغط متزايد من إيران وحلفائها في العراق الذين أجبروه على تنحية عدد من القادة العسكريين بحجة أنهم مقربون من الولايات المتحدة.
 
وتصاعد الضغط مع وصول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى العراق، مباشرة بعد انطلاق التظاهرات.
 
وعقد سليماني اجتماعات في بغداد والنجف لإقناع قادة الأحزاب السياسية بحماية الحكومة، فيما يؤكد مسؤول عراقي رفيع المستوى أن سليماني “هو من يصدر التعليمات”.
 
ويشير مسؤول آخر إلى أن عبدالمهدي “ليس في موقع يمكّنه من مواجهة النفوذ الإيراني”، ويضيف “هو يعلم أنه في حال لم يتبع الخط الإيراني، سيتم إقصاؤه وسيحمّل مسؤولية ما يجري”.
 
وأطل عبدالمهدي في عدة خطابات متلفزة، وأصدر بيانات بشكل شبه يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن حكومته فرضت قيوداً على الإنترنت في غالبية المحافظات العراقية. وبعدما أعلن للمرة الأولى استعداده للاستقالة في حال وجدت الأطراف السياسية بديلاً عنه، عاد مؤخراً بموقف أكثر تشدداً.
 
وقال الثلاثاء إن حكومة تصريف أعمال لن تمتلك الصلاحيات الكافية لتوقيع العقود الضرورية، فيما يشير مسؤولون إلى أن تسوية كانت في طور التشكيل تبقي على عبدالمهدي رئيساً لحكومة انتقالية، لكنها كانت ستبقى مشلولة سياسياً على الأرجح.