النفط السوري في بازار المساومات الأميركية الروسية والقوات الأميركية تشيد قواعد عسكرية في بعض الأجزاء القريبة من منابع النفط.
 
يسود الغموض سلوك الولايات المتحدة في شمال سوريا وشرقها، ذلك أنه وبعد إعلانها سحب قواتها من المنطقة مع إبقاء عدد قليل من الجنود، عادت وتراجعت عن ذلك، وعززت انتشارها في بعض الأجزاء خاصة تلك القريبة من منابع النفط السوري، بتشييد قواعد عسكرية إضافية.
 
وتبرر واشنطن خطوتها بالخشية من عودة تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على حقول النفط -التي ما يزال الجزء الأكبر منها واقعا بأيدي قوات سوريا الديمقراطية-، بيد أن هذه الذريعة لا تلقى قبولا لدى البعض، خاصة وأن التنظيم الجهادي وإن كان لا يزال يحتفظ بخلايا منتشرة في ذلك الجزء، بيد أن قوته تقهقرت بشكل كبير ولم يعد يمتلك القدرة عمليا على الاحتفاظ بالأرض وبسط نفوذه خاصة في منطقة مكشوفة، وأن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو شنّ هجمات خاطفة ومن ثم الاختباء.
 
ويطرح تمشّي الولايات المتحدة تساؤلات حول ما إذا كان الهدف من الحديث عن الانسحاب ثم التراجع عن ذلك والتركيز على النفط السوري هو إرباك الأطراف المقابلة أي روسيا وتركيا وإيران، وإعادة خلط الأوراق خاصة بعد اتفاق سوتشي أم أن الأمر لا يعدو كونه تخبّطا أميركيا ناجما عن غياب استراتيجية واضحة للتعاطي مع الشأن السوري، في ظل تعالي أصوات من داخل الكونغرس تعتبر أن حصر الوجود الأميركي في السيطرة على حقول النفط يشكك في الدوافع الأميركية بشأن سوريا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، الثلاثاء، إن موسكو تعتبر محاولات واشنطن التمركز في شمال شرقي سوريا بمنطقة حقول النفط أمر غير مقبول. وأضاف فيرشينين “أي تصرفات من مثل تلك التي تحاول الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري غير الشرعي هي من وجهة نظرنا مخالفة للقانون الدولي وغير مقبولة”.
 
وكانت مصادر محليّة كشفت في وقت سابق أن العسكريين الأميركيين يقومون ببناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في محافظة دير الزور بشمال شرقي سوريا.
 
وأوضحت المصادر أن الجيش الأميركي بدأ ببناء قاعدتين جديدتين له بدير الزور؛ إحداها في بلدة الصور بريف المحافظة الشمالي، والثانية في مقرّ اللواء 113 الذي كان يتبع الجيش السوري في ريف المحافظة الشمالي الغربي.

وأشارت المصادر إلى أن الجيش الأميركي أرسل بعد إطلاق تركيا عملية “نبع السلام” تعزيزات إلى دير الزور بلغ قوامها نحو 250 جنديا وآليات ومصفحات وراجمات صواريخ، وهي الآن تعزز وجودها بإرسال المزيد من القوات.

ويتواجد الجيش الأميركي في عدد من القواعد والنقاط العسكرية في دير الزور بعد طرد تنظيم داعش من المحافظة التي بسط السيطرة عليها على مدار 3 سنوات. وأبرز هذه القواعد والنقاط هي تلك الواقعة في حقول “العمر” و”كونكو” و”جفرة” و”تنك” للنفط والغاز.

ويبلغ حجم احتياطات النفط والغاز في دير الزور نحو 75 بالمئة من مجمل احتياطي سوريا من الطاقة، وكانت موسكو ودمشق تأملان في أن يفضي إعلان الرئيس الأميركي سحب قوات بلاده من المنطقة، ومن ثم اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه بين موسكو وأنقرة في استعادة تلك الثروة في ظل حاجة ملحة لنظام الرئيس بشار الأسد للاستفادة منها على ضوء العقوبات المفروضة عليه.

وواجهت دمشق في السنوات الماضية شحا كبيرا في موارد الطاقة، وحاولت الدول الداعمة وفي مقدمتها إيران الالتفاف على العقوبات لتمكينها من سد العجز، بالتوازي مع تهريب النفط والغاز من مناطق قوات سوريا الديمقراطية إلى مناطق سيطرة الحكومة بيد أن ذلك لم يف بالغرض.

والشهر الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، عبر بيان، إرسال المزيد من القوات لحماية آبار النفط شرقي سوريا، ولوّح وزير الدفاع مارك أسبر باستخدام القوة الساحقة ضد أي قوات تحاول الاقتراب من المنطقة النفطية، سواء كانت عناصر لداعش، أو قوات موالية لسوريا وروسيا.

جاء ذلك بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب أن سيُبقي جزءا من قوات بلاده لحماية حقول النفط قائلا “سنحمي النفط.. وسنقرر ما الذي سنفعله به في المستقبل”. وفي وقت لاحق ألمح ترامب إلى إمكانية أن تتولى شركات أميركية الاستثمار في تلك الحقول، ويرى كثيرون أن هذا التلميح غير جاد وقد يكون لمزيد الضغط ذلك أن أي شركات لن تجازف بالاستثمار في مناخ متوتر.

وهناك اعتقاد أن الإدارة الأميركية تريد من خلال الاحتفاظ بأبرز حقول النفط السورية الإبقاء على ورقة لمساومة موسكو ودمشق خلال بدء التسوية السياسية، ليس فقط لجهة الوجود الإيراني بل وأيضا ضمان منح حلفائها الأكراد وضعا خاصا.

وكشفت مصادر عدة عن تحضيرات أميركية تجري على قدم وساق في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرق سوريا لبناء ثلاث قواعد عسكرية مشتركة مع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.

ويعتبر متابعون أن الموقفيْن الروسي والسوري يبدوان صعبين حيال الواقع الجديد الذي فرضته واشنطن، حيث أنه ليس بمقدورهما الدخول في أي مواجهة، وبالتالي فإن الخيار الأقلّ كُلفة هو البحث في مسار سياسي معها، مرجحين أن يتضمن تنازلات.