بهذا اليوم، يكون قد مضى على استقالة الحكومة أسبوع. ورغم وطأة الانتظار وضغط الوقت، وسوء الاوضاع المالية والاقتصادية، لم يحدد رئيس الجمهورية موعد الاستشارات النيابية الملزمة، ما يعني ان البلاد قد تكون امام أسبوع آخر من التأخير والمماطلة، بحثا عن صيغة حكومية تلبي شروط القوى السياسية، ليصار على اساسها الى تسمية الشخصية التي ستتولى بموجب الصيغة المتفق عليها تنفيذ التسوية السياسية الحديدية التي يجري طبخها حاليا.
في الشارع الصورة تختلف، وسقف المطالب يرتفع. وما كان يمكن ان يصلح باستقالة الحكومة وتأليف حكومة جديدة تلبي تطلعات المتظاهرين، لم يعد كافيا اليوم لهؤلاء بعد شعورهم بالخيبة مقرونا بالغضب حيال الاستهتار بهم. وبات المطلب الحكومي وراء المتظاهرين، بعدما لمسوا عدم استجابة السلطة السياسية مع تحركهم. وهذا ينقل الانتفاضة الشعبية الى مستوى ثان بات سقفه الرئاستين الاولى والثالثة، وسط تأكيد المتظاهرين رفضهم الخروج من الشارع قبل الاستجابة لمطالبهم. 
لم يحْرف الأحد العاصِف في لبنان الأنظارَ عن السؤال المصيري الذي تتحوّل الإجابةُ عليه بدءاً من اليوم استحقاقاً لا مفرّ منه، وهو كيف ستُلاقي الطبقة السياسية، مطالبَ الانتفاضة الشعبية التي نزلت ولليوم الـ 20 على التوالي إلى الساحات، في أحد الوحدة، وفي مقدّمها كلن يعني كلن وتشكيل حكومةٍ انتقالية من اختصاصيين، برنامج عملها تَدارُك الانهيار الاقتصادي  المالي والتحضير لانتخابات نيابية مبكّرة. كما دعت إلى سلسلة من التحركات باتجاه بعض المؤسسات والمرافق لتشديد الضغط على السلطة السياسية.
ليست المشكلة في السياسة مَن يقع في الخطأ، فكل المحطات والخطوات السياسية تحتمل الوقوع في الأخطاء، لكن العبرة في التعلّم والاستفادة منها. كان يمكن لهذا الانفجار الاجتماعي الذي شهده لبنان بكل مناطقه وأطيافه، أن يشكل درساً عظيماً لهذه الطبقة السياسية التي لا تعترف بغيرها، ولا ترى غير طموحاتها. وأول الدروس التي بالإمكان الاستفادة منها، هي الخروج من منطق تعليب السياسات في الغرف المغلقة. وبما أنهم لا يريدون التعلّم، فَها هم يقعون في الأخطاء ذاتها. حساباتهم في مكان، وأفكار جمهورهم ومواطنيهم في مكانٍ آخر.
وبدلاً من الاستفادة من هذه المعموديات في السياسة، يستمر هؤلاء في تكبّرهم من دون الاستعداد للاستماع لصوت الناس وصرخاتهم. فالصراع بحقيقته أصبح طبقياً ويتجاوز كل ما له علاقة بالحسابات السياسية أو الطائفية، بينما هم لا زالوا بنفس المنهجية يستخدمون الأساليب البائدة ذاتها في البحث عن حلولٍ سياسية تقوم على منطق المحاصصة بين القوى في الصالونات بعيداً عن أرض الواقع. وهذا بالتأكيد لن يؤدي إلى حلول، إنما سوف يؤجّل المشاكل أو الانفجارات التي ستتوالى عند كل محطة ومفصل.
 
والأخطر في تعاطي بعض السياسيين مع ما جرى، هو نظرتهم من منظور ضيقٍ جداً للتحركات التي تحولت إلى انتفاضة، وكل منهم حاول الالتحاق بركبها وتجييرها لصالحه، أو بهدف تعزيز أوراقه التفاوضية. ولذلك كانت غاية رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل باستعراض شارعه في بعبدا بهدف تحسين شروطه. هذه الشروط التي يعمل على رفعها إلى حدّها الأقصى من خلال تحضير مسودة ورقة للتشكيلة الحكومية، وكيفية توزيع المقاعد والحقائب. 
 
وهذا ما أراد بحثه خلال لقائه مع رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي تمسّك بحكومة التكنوقراط.
لكن بحسب المعلومات فإن باسيل بقي مصراً على موقفه، وهو البقاء وزيراً في الحكومة، على أن يتم فتح باب المفاوضات بعد لقاء كسر الجليد بينه وبين الحريري، خاصة وأن باسيل مدعومٌ من رئيس الجمهورية، ومن حزب الله. والأكيد أن باسيل يرغب بتجديد التسوية مع الحريري، ولكن على أسسٍ جديدة، وذلك بعد أن سقطت التسوية الأولى التي جرت بين عون والحريري. ما يريده باسيل هو تكريس ثنائية الحريري باسيل وليس الحريري  عون، وهو ما يعني فتح الآفاق أمام التسوية لمرحلةٍ مقبلة قد ترتبط بحساباتٍ رئاسية.
صحيحٌ أن المشكلة الأولى التي تعترض إبرام هذه التسوية تتعلق بتشكيل الحكومة، وبالتحركات في الشارع. وهنا سيكون الجميع أمام احتمال من ثلاث: إما استمرار الخلاف على هوية الحكومة وشكلها بين سياسية وتكنوقراط، وإما الذهاب إلى تشكيل حكومة سياسية وكأن شيئاً لم يكن، وهو الأمر الذي سيستفز الشارع. أما الاحتمال الثالث، فهو أن يرضخ الجميع إلى مطالب الناس والضغوط الدولية، وتشكيل حكومة تكنوقراط، على أن يتم التحضير من خلالها لتعميق التسوية للمرحلة المقبلة، وذلك بعد تمرير هذه الفترة العصيبة التي تمرّ فيها البلاد.
في الخلاصة لن تنجح محاولات الطبقة السياسية بحرف الانتفاضة الشعبية في لبنان من السلمية والشمولية والتوجه المدني، فلا إنقاذ وطنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً للبنان إلا بنجاح الانتفاضة في التغيير على مراحل. واللعبة انتهت وإن تصور الذين لا يرون من الدنيا سوى الجشع إلى المال والسلطة أنهم قادرون على الاستمرار في اللعب والتلاعب.هم واهمون
ويبقى الرهان على هذا المواطن الذي يطالب وإن جزئيا، بحقه في الحرية والعيش الكريم، مواجها موجة الترهيب والتخوين، وعلى المواطن ان يؤمن ان التغيير آت لا محالة.