لا أرى أنَّ ربيع لبنان ثورةٌ طبقيَّةٌ. هو، بالأحرى، ثورةٌ من أجل الكرامة، من أجل العيش بكرامةٍ، من أجل العيش كبشرٍ في دولةٍ تحترمنا جميعًا لا العيش في شبه دولةٍ تمتهن كرامتنا كلَّ يومٍ وتمارس الإذلال اليوميّ. 


   هذا المطلب يشترك فيه الغنيُّ والفقير. وهو لا يُلغي بقيَّةَ المطالب المعيشيَّة، بل يعضدها ويكمِّلها. لقد سئم الشَّعب الإقطاع السِّياسيّ والتّوريت واحتكار العمل السِّياسيّ والشَّأن العام وتوزيع المغانم والثَّروات على الأتباع والمناصرين. لذا، ثار بشكلٍ عفويٍّ ومفاجئٍ بكل شرائحه. وربما نلاحظ أنَّ أعداد الميسورين تفوق أعداد الفقراء في السَّاحات.


   لقد وصل النِّظام اللبنانيّ مع طبقةٍ سياسيّةٍ حكمت لثلاثة عقودٍ متتاليةٍ إلى قاع القيعان، في السِّياسة والاقتصاد معًا. ولم يعد بإمكانه الاستمرار، فتعطَّل هذا النِّظام كلِّيًّا وتكلَّس. من هنا كانت الثورة التي ليس لنا أن نطالبها بتغيير كلِّ شيءٍ دفعةً واحدةً. 


   من السَّذاجة أن يفكِّر المرء هكذا. يكفي أن نضع البلد على أول طريق سكّة التّغيير، ويكفي أن يسحب الشّعب الوكالة من المسؤولين ويتحوّل إلى سلطةٍ حقيقيّةٍ وأصيلةٍ تراقب بدقّةٍ وتكون مستعدَّةً للنّزول إلى الشَّارع مجدَّدًا، فإنّ هذا يُعدُّ مكسبًا عميقًا. 


   ومن السَّذاجة بمكانٍ أيضًا، أن نعتبر أنَّ النِّظام اللبنانيَّ غير قابلٍ للتَّغيير والتَّطوير. فهو ككلِّ شيءٍ في العالم قد خلَّعته التِّكنولوجيا وهشَّمته. لذا، فإنَّ التَّغيير آتٍ في لبنان وفي غيره. ما فاجأنا في لبنان هو سرعة التَّغيير التي تطالب بها هذه الملايين بإصرارها على النّزول يوميًّا إلى الشَّارع.


   لقد أحرجت الجماهير أركان السُّلطة وجعلتهم يغيِّرون من نظرتهم إلى الشَّعب اللبنانيّ الذي وُلِدَ للتَّو. لذا، تتبارى السُّلطة في تبنِّي مطالب الشَّعب وتحاول ركوب الموجة.


   ما أحدثه حراك لبنان مهمٌّ جدًّا وعظيم. ويمكن التَّأسيس عليه. والهدف معروفٌ. وهو بناء الدّولة الحديثة العادلة.