استقالة سعد الحريري ليست هي الحل للأزمة اللبنانية المتفاقمة والموروثة لسنوات، فالاستقالة ليست هي التي ستنهي اعتصامات الشارع اللبناني، الذي يبدو أنه قرر أنه سيعيد ثورة الأرز إذا لزم الأمر، فاستقالة الحريري ليست مطلب الحشود الغاضبة ولا هدفها، وإن كان الحريري فضّل الاصطفاف الشعبي على الاصطفاف الطائفي؛ الأمر الذي خرجت بسببه المظاهرات الشعبية، التي قابلها حسن نصر الله زعيم ميليشيا «حزب الله» بالتهديد والوعيد والتلويح بإصبع اليد، وأنه وميليشياته لم ينزل إلى الشارع بعد، مهدداً بصناعة فوضى لا تنتهي.


الحشود الغاضبة التي تعرضت لبلطجة ميليشيا «حزب الله» في أكثر من ساحة، لم تخضع لابتزاز ولا إرهاب ميليشيات حسن نصر الله، الذي كان قد وضع لاءات أمام استقالة الحكومة وإسقاط العهد الطائفي، ولكن لاءاته ذهب بها سعد الحريري إلى قصر بعبدا معلناً استقالته، ليعلن أنه لا يخضع لحسن نصر الله ولا لميليشياته، فالشيخ سعد الحريري، أعاد هيبة والده الراحل رفيق الحريري، الذي كان زعيماً لبنانياً بامتياز، قبل أن يتم الغدر به.
لبنان يعاني من نظام سياسي تشكّل منذ عام 1943، وهو الذي تسبب في ظاهرة الديمقراطية بالنسخة الطائفية، التي هي نوع من الفتنة الدائمة والمتحركة، تحركها الدوائر الخارجية متى تريد، خصوصاً في ظل وجود ميليشيا عقدية مسلحة تسمى «حزب الله»؛ ولاؤها للولي الفقيه في طهران؛ الأمر الذي تسبب في وجود لبنان تارة من دون رئيس توافقي، وأخرى من دون حكومة مكتملة الأركان، والسبب استمرار وجود ظاهرة «حزب الله».


في لبنان الأزمة طائفية بامتياز يصنعها ويغذّيها ويتبناها «حزب الله» ويحاول فرضها، بالتبعية للمعسكر الإيراني؛ ففي تحليل سابق لمراسل «الإندبندنت» عن أزمة لبنان يقول: «حتى يكون لبنان دولة حديثة فلا بد له من نبذ الطائفية، لكن لو فعل ذلك فلن يكون لبنان، لأن الطائفية هي هويته، وأبناء لبنان يستحقون أفضل منه، لكنه بلد خلقه الفرنسيون من حطام الإمبراطورية العثمانية».
«حزب الله» ظاهرة إقليمية؛ بل وشبه عالمية تسببت في كثير من الأزمات والمشكلات حول العالم، بسبب تحوله إلى ذراع إيرانية في المنطقة، وتجاوزه دور الحزب السياسي المدني وممارسة التداول السلمي، إلى ميليشيا مسلحة داخل الدولة وخارج سيطرتها.


ولعل المتابع للشأن اللبناني لاحظ تسلط ميليشيا «حزب الله»، التي تستقوي بالخارج على الدولة، وعملها كدولة داخل الدولة، للحفاظ على لبنان مضطرب وعلى حافة حرب أهلية بين الحين والآخر، وهي غاية إقليمية ودولية، استغلت مشكلات لبنان المتعددة؛ من أزمة رغيف الخبز وغلاء الأسعار، إلى «الديمقراطية» المبنية على محاصصة طائفية، فالنظام اللبناني مبني على أساس مغالبة طائفية، ولهذا صار لبنان بثلاثة رؤساء وجسد واحد ممزق.
لبنان يمزقه الغلاء ومتلازمة الفقر والجوع والمرض، في ظل شح الموارد وتداخل الخارج والداخل... لبنان يسوده التشظي السياسي والحزبي والطائفي.
الدولة اللبنانية عانت من حرب أهلية في السبعينات من القرن الماضي انتهت بـ«اتفاق الطائف» الذي ضمن تقاسم السلطة.


اصطفاف الجنرال عون مع ميليشيا «حزب الله» يعدّ مخالفة صريحة لـ«اتفاق الطائف» الذي جاء بعون رئيساً للبنان في 2016 رغم رفضه له في عام 1988، فـ«اتفاق الطائف» كان لإنهاء حالة الحرب الأهلية، في ثمانينات القرن الماضي، ولم يكن من المستطاع في حينها إنجاز اتفاق أفضل منه مخرجاً للأزمة.


الجنرال عون بمغازلته «حزب الله» وضع رئاسة الجمهورية اللبنانية في خندق واحد مع ميليشيا مسلحة لا تأتمر بأمر الدولة، والدليل تدخلها العسكري والعلني خارج حدود لبنان في سوريا والعراق واليمن وحتى في غزة وليبيا؛ الأمر الذي يضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولية قانونية حيال ما يرتكبه «حزب الله» بوصفه شريكاً سياسياً في السلطة في لبنان وما يصدر عنه يعدّ صادراً عن سلطة حاكمة، وكان على الجنرال ميشال عون التحرر من عباءة «حزب الله» الذي يسعى لحكم لبنان بروح إيرانية.


لبنان اليوم في ظل جيل جديد لم يكن شريكاً في صنع الطائفية، ولا كان مولوداً زمن الاقتتال الطائفي، وسيكون من السهل عليه نبذ الطائفية، خصوصاً وهو لا يريد العيش في جلبابها، ولهذا فهو لن يترك الساحات حتى يسقط عهد الطائفية، ليبني لبنان جديداً لجميع اللبنانيين.