ساهم إقدام المصارف على وقف التسهيلات الممنوحة للشركات والمؤسسات والافراد بشَد الخناق أكثر فأكثر على التجّار والصناعيين، وباتت الحركة الاقتصادية مشلولة بالكامل. فإلى أيّ مدى يمكن للاقتصاد أن يصمد في ظل هذه الأوضاع؟ وكيف ستكون الانعكاسات على المستهلكين؟
 

من المرجّح أن تكون هناك صلة بين القيود التي تفرضها المصارف ولو جاءت بشكل غير معلن على التحاويل والتسهيلات المصرفية، وتراجع العجز التجاري اللبناني الذي، وبحسب إحصاءات إدارة الجمارك اللبنانيّة، سجّل انخفاضاً بقيمة 358.27 مليون دولار على صعيدٍ سنويّ ليصل الى 11.37 مليار دولار مع نهاية الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي. والسؤال المطروح هو: الى أي مدى ستساهم هذه القيود، التي تأثر بها التجّار خصوصاً، بدعم الانتاج اللبناني؟

يؤكد نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش انّ الصناعيين يعانون بدورهم هذا التكبيل وهذه القيود، «فالمصارف لا تسمح لنا بإجراء تحويلات لنستورد المواد الأولية لصناعاتنا، فتوقّف الصناعيون عن استيراد المواد الأولية قسراً. وبالتالي، سيأتي يوم تتوقف فيه المصانع عن العمل لفقدانها المواد الاولية الضرورية للصناعة، وبالتالي ستتوقف عجلة الانتاج». 

تابع: «إنّ المصارف التي تؤمّن لنا الدولارات قليلة جداً، وفي ما خصّ الاسواق المحلية، من الملاحظ أنّ القدرة الشرائية تراجعت بشكل ملحوظ حتى في المواد الاستهلاكية، فاتجاه المستهلك اليوم يميل نحو التوفير للصمود، والمشكلة الأكبر تتمثّل بالرواتب التي نقبضها بالليرة اللبنانية على سعر 1515 بينما نضطرّ الى الشراء بالدولار على سعر 1620 دولاراً، بما يعني أننا نخسر بكل 100 دولار حوالى 7 في المئة، مع العلم انّ أرباح الصناعة اللبنانية تتراوح ما بين 3 و10 في المئة، ما يعني انّ الصناعيين إمّا يخسرون وإمّا لا يحققون أرباحاً. وبالتالي، انّ بعض الصناعيين يفضّلون الاحتفاظ بمخزونهم ولا يبيعون، والبعض الآخر يفضّل استرجاع رأسماله عبر بيع ما يملك من مخزون، لكن بالنتيجة المشكلة كبيرة على الاقتصاد وليس فقط على الصناعة».
وعمّا اذا كان تراجع العجز التجاري يصبّ لصالح الصناعة ؟ قال: «لا يمكن معرفة شيء عن العجز التجاري قبل انقضاء العام، لكن اذا استمرت القيود المصرفية فإنّ التصدير سيتراجع ايضاً لأننا قد نفقد ثقة زبائننا خارج لبنان من جرّاء عدم قدرتنا على الايفاء بعقودنا. وأنا آسف لأنّ هذه الاوضاع ستدفع في اتجاه نمو الاقتصاد غير الشرعي على حساب الاقتصاد الشرعي، كما لا يمكن القول انّ هذه القيود ستلجم التجارة، فما ان تعود الأوضاع الى ما كانت عليه سيعود التجّار الى الاستيراد».


أبي شاكر
من جهته، أكد نقيب مستوردي المواد الغذائية السابق عادل أبي شاكر انّ «وضع الاستيراد التجاري اليوم في أسوأ حالاته، بحيث لا يمكن التخطيط لأكثر من أسبوع». وكشف انّ «المصارف منذ ان فتحت، أي يومي الجمعة والسبت، لم تقم بأيّ تحويل من العملة اللبنانية الى الدولار كما لا يمكن تحويل الاموال الى الخارج، وهذا الأمر يعتبر كارثيّاً للتجّار، خصوصاً اننا بلد يعتمد على الاستيراد بنسبة 75 في المئة»، لافتاً الى «انّ الاستيراد لا يقتصر فقط على الأدوية والمحروقات والطحين»، متسائلاً: «ماذا عن بقيّة التجار؟ كيف يمكننا الصمود لمدة شهر من اليوم؟ ماذا نفعل عندما سينتهي المخزون ولم نستطع تأمين النقص؟ 
وعن ارتفاع أسعار المنتجات قال أبي شاكر: «كل السلع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة أضيف إليها رسم 3.5 في المئة للجمارك، واذا دفع التاجر هذا الرسم لا يمكنه أن يصمد من دون أن يستردّه من المستهلك. لذا، ارتفعت أسعار السلع، ناهيك عن ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار». 
وتابع: «تجاه هذه الأوضاع يجد التجار أنفسهم مجبرين على بيع السلع بأسعار أغلى، كما لا يمكننا أن لا نصرّف مخزوننا وأن نحتفظ به لفترة طويلة لأننا مقيّدون بتاريخ صلاحية المنتجات».
ورداً على سؤال، أوضح أبي شاكر «أنّ اعتبار هذه القيود تصبّ في مصلحة الصناعيين هو في غير محلّه، فالمنتجات الغذائية ليست فقط «تشيبس» وحمص وويفر، لأننا نستورد 3000 سلعة غذائية». 

الميزان التجاري
وكان عجز الميزان التجاري اللبناني قد سجّل انخفاضاً بقيمة 358.27 مليون دولار على صعيدٍ سنويّ إلى 11.37 مليار دولار مع نهاية الأشهُر الثمانية الأولى من العام الحالي، من 11.73 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام المنصرم، بحسب إحصاءات إدارة الجمارك اللبنانيّة. 
ويعود هذا الانكماش في العجز إلى تحسُّن قيمة الصادرات بـ 478.75 مليون دولار على أساس سنويّ إلى ما فوق الـ 2.46 مليار دولار، الأمر الذي طغى على الزيادة في فاتورة المستوردات بـ 120.49 مليون دولار إلى حوالى 13.84 مليار دولار.
وقد تصدّرَت سويسرا لائحة الدول المستوردة من لبنان، مع فاتورة استيراد وصَلت إلى 629 مليون دولار (أي 25.51 في المئة من مجموع الصادرات اللبنانيّة)، في حين حَلّت الولايات المتّحدة في المرتبة الأولى على لائحة الدول المصدّرة إلى لبنان حيث وصَلت فاتورة صادراتها إلى 1,246 مليون دولار أي 9.01 في المئة من فاتورة الإستيراد.
كذلك احتَلّت صادرات «اللؤلؤ، الأحجار الكريمة، المعادن الثمينة والمصوغات» المرتبة الأولى على لائحة السلع المصدَّرة من لبنان، مُشَكِّلة حصة 37.40 في المئة أي 922 مليون دولار من مجموع الصادرات اللبنانيّة لغاية شهر آب 2019، تلتها «منتجات الصناعات الكيميائيّة» بقيمة 257 مليون دولار مُشَكِّلة ما نسبته 10.43 في المئة، ومن ثمّ «منتجات صناعة الأغذية، المشروبات، والتبغ» بما قيمته 249 مليون دولار بما نسبته 10.10 في المئة و»الآلات والأجهزة الكهربائيّة» بما قيمته 246 مليون دولار مشَكّلة 9.98 في المئة. 

تراجع الاعتمادات المستنديّة المفتوحة
كذلك، استناداً إلى إحصاءات مصرف لبنان، تراجعت قيمة الاعتمادات المستنديّة المفتوحة، وهي مؤشِّر لقياس حركة التبادل التجاري في لبنان، بنسبة 25.26 في المئة خلال شهر آب 2019 إلى 740.36 مليون دولار، من 990,58 مليون دولار في الشهر الذي سبقه. 
على صعيد حركة الاستيراد إلى لبنان، إنكمشت قيمة الاعتمادات المستنديّة المفتوحة للاستيراد بنسبة 0.60 في المئة على أساسٍ سنويّ إلى 4,372,07 ملايين دولار لغاية شهر آب 2019، مقابل 4,398,26 ملايين دولار في الفترة ذاتها من العام الفائت.