لعلّ الرئيس سعد الحريري كان أكثر المتأذين المستفيدين من الانتفاضة، ثمّ الاستقالة، فهذه الانتفاضة أعطته خياراً إضافياً ليدخل في مرحلة جديدة عنوانها خياران: إمّا النجاح في تعديل شروط التسوية وإعادة تشكيل الحكومة بناء على هذا التعديل، او التفرّج على الأزمة وهي تصيب تحالف العهد و»حزب الله»، وانتظار أن يأتيا إليه طالبَين إنقاذهما من الأزمة، وبالتالي استجابة لشروطه، التي كانت السبب في تقديم استقالته من الحكومة، والتي ستكون على الأرجح الممرّ لعودته الى السراي.
 

في المعلومات أنّ الرئيس الحريري ينطلق في مقاربته تشكيل الحكومة من مسلمات عدّة أبرزها:

أولاً: لم يعلن الحريري أيّ موقف من المخالفة الدستورية الصريحة المتمثلة في تأخير تحديد موعد للاستشارات الملزمة لتسمية الرئيس المكلف، لأنّه لا يريد تحويل الأنظار عن طبيعة الخلاف على تشكيل الحكومة الى تسليطه على أزمة دستورية، يمكن استيعابها، بل يمكن محوها من الذاكرة بمجرد تحقيق ما طرحه في شأن التشكيل، أي بعبارة أخرى، لا يريد الحريري تخفيف ضغط الأزمة عن الذين يفترض بهم أن يتراجعوا خطوات الى الوراء لتشكيل الحكومة.

ثانياً: أبلغ الحريري الى من يعنيهم الأمر، وأوّلهم الرئيس ميشال عون والثنائي الشيعي، بأنّه لا يستطيع تشكيل حكومة يكون باسيل وزيراً فيها، لأنّ هكذا حكومة ستسقط منذ ولادتها تحت ضغط الشارع، وبالتالي لا فائدة من تشكيلها طالما أنّ عوامل استقالتها موجودة في تركيبتها، وقرار الحريري هذا لا عودة عنه، على ما يبدو، وعلى عون والثنائي أن يفتّشا عن البديل الانتحاري الذي سيتسلم المهمة الصعبة، ويمكن توقع مشاعر التردّد التي سيشعر بها من يتجرأ على القبول بحمل كرة النار، في مواجهة شارع غاضب، ومن دون أن يحمل معه أيّ حصانة من الطائفة السنية، التي بالكاد تقبل بأن يعود الحريري الى ترؤّس حكومة الأزمة، فكيف بالمرشحين الآخرين الذين لا يمتلكون من أدوات الصمود إلّا القليل.

ثالثاً: يرفض الحريري رفضاً باتاً أن يسمي أيّاً كان بالنيابة عنه لتشكيل الحكومة، وهو يخشى من تسمية البديل، ويطرح نفسه مرشحاً أوحد بشروطه، تحت طائلة الاعتذار عن المهمة، وهذا يشمل جميع من طرحت أسماؤهم، وأبرزهم الرئيس تمام سلام والوزيرة ريّا الحسن، وهذان الاسمان ليسا أصلاً في وارد قبول رئاسة الحكومة، من دون موافقة الحريري، أمّا بالنسبة للأسماء الأخرى وأبرزها النائب نهاد المشنوق، فتتكفل ماكينة «المستقبل» الشعبية والإعلامية بإحراق حظوظهم، وتصنيفهم ضمن خانة الخوارج السياسيين، وهذا ما يصعّب مهمّتهم، بل يجهضها قبل الولادة، وما لم يساعد المشنوق أنّ تسريب خبر زيارته بعبدا أتى من «التيّار الوطنيّ الحرّ»، ليس بقصد إحراقه، بل بقصد مساومة الحريري واللعب على وتر أنّ هناك بدائل أخرى اذا استمرّ بوضع شروطه.

ينطلق الرئيس الحريري في مفاوضاته مع شركائه في الحكومة السابقة، من حتمية تعديل شروط التسوية، وتبدو خطوطه مفتوحة مع الرئيس نبيه برّي، الذي لا يريد أن يرى غيره في السراي، وكذلك مع «حزب الله»، الذي يقرأ بعقل بارد ما جرى منذ 17 تشرين الأول، فبالنسبة الى «الحزب» ضعفت أوراق العهد، وصار لزاماً التمسّك بالحريري أكثر، والاستعداد لدفع ثمن بقائه في السراي، تجاوزاً لـ»صبيانيات» سياسية تتوهم أنّه يمكن الإقلاع بحكومة يترأسها حليف سنّي للحزب. فهل يكون الثمن إقناع باسيل بأن يكون خارج الحكومة، وهو ما يرضي الحريري ويجعله يقبل حكومة تكنوسياسية، بعد أن يكون قد ألقى في البحر أثقالاً تهدّد السفينة بالغرق، وماذا سيكون ثمن إقناع باسيل، وهل يعطى مكافأة يطالب بها منذ زمن، وتحديداً في المؤسسة العسكرية، كبدل للخروج من الحكومة؟