منذ اندلعت الانتفاضة اللبنانية الأخيرة ضد الطبقة السياسية والفساد، قبل أقل من ثلاثة أسابيع وأدّت إلى استقالة حكومة سعد الحريري، و أيضاً، العراق يعيش انتفاضة شعبية مماثلة تطالب باستقالة الحكومة والبرلمان ومحاربة الفساد وأجّجت المناطق الشيعية في جنوب البلاد ووسطها، سقط فيها قتلى وجرحى. أطلّ الأمين العام لـ حزب الله على اللبنانيين ناصحاً وموجّهاً ومتهماً ومهدّداً.
في الحالتين، أصابع الاتهام موجّهة إلى جهة واحدة هي القيادة الإيرانية، وهذه مسألة بديهية. إذ إنه من الغباء الفصل بين تدهور الأوضاع المعيشية في بلدين كالعراق ولبنان، عندما يرزحان تحت ضغط قوى سياسية مرتبطة بطهران. ولئن كانت سيطرت حزب الله السبب المباشر في إفراغ لبنان من الكفاءات، والحرمان من الاستثمارات والموارد، وتغطية الفساد، وتدمير قطاعات الخدمات فيه، فإن هيمنة الحشد الشعبي وطيف مكوّناته كان ولا يزال وراء امتصاص خيرات العراق وقدراته الاقتصادية الهائلة. 
جيل الشباب في لبنان والعراق، بدعم من الأمهات والاباء والجدّات وكذلك الأطفال، هو جيل الانتصار على الخوف والانصياع. انه ينتفض على الفساد في داره وعلى طبقة سياسيّة ظنّت بغباءٍ قاطع ان امتيازاتها هي تأشيرة للجشع ولتوطيد نظام الفساد. ينتفض أيضاً على افتراضٍ ووعدٍ قطعه أرباب النظام في طهران قبل 40 سنة بأن في وسعهم التحكّم في أحلام الأجيال العربية بواسطة المذهبية والشعارات الشعبوية والتخويف وقمع الحرّيّات وعبر سلاح الجيوش غير النظاميّة التابعة لطهران.
وما يطالب به اللبنانيون من حزب الله هو التوقّف عن إعلان ولائه أولاً للنّظام في طهران. فهذا ليس بلد ولاية الفقيه، ولن يكن لأن تركيبته ونظامه السياسي غير قابل لمثل هذا الانجراف عن مسيرته المدنيّة. طَالبَ وحقّق جيل الثورة إسقاط حكومة التسوية التي قام حزب الله بحياكتها مع سعد الحريري، رئيس الحكومة المستقيل، ومع ميشال عون، رئيس الجمهورية الذي نصّب صهره جبران باسيل الاستفزازي وكيلاً عنه.
حزب الله قد يلجأ الى وضع شارع مقابل شارع، إذا استمرت الانتفاضة على الفساد وعلى الطبقة السياسية الحاكمة. فهو قد يقرر ان انتصار الانتفاضة يعني إزاحته عن السلطة والإطاحة بتحكّمه بمستقبل لبنان كما بمركزيّته في المشروع الإيراني انطلاقاً من سيطرته على لبنان.
السؤال إذن، هو، ماذا سيفعل الجيش اللبناني إذا صدر قرار تحويل ساحات الاحتجاج السلمي الى ساحات قتال عبر اجتياح الشبّيحة لها؟ هل سيقف الجيش متفرجاً على قمع المدنيين، أم انه سيقف مع الناس في وجه المعتدين؟ 
حتى الآن يمكن الرهان على عدم انزلاق الجيش الى قمع المظاهرات لأن الانزلاق سيكون مكلفاً ومصيرياً. ما تتّفق عليه الدول التي يهمّها أمر لبنان هو عدم الاستعجال الى انقاذه من الانهيار فيما السلطات المرفوضة ما زالت مكانها. ما تريده هو أن يقع التغيير المطلوب فوراً، ابتداءً بتشكيل حكومة تكنوقراط حالاً وليس بمطّاطيّة الصفقات المعهودة. فاستقالة سعد الحريري هي أُولى المحطّات، وليس مسموحاً لها أن تكون المحطة الوحيدة. لذلك يتأهب كل المعنيين لإنقاذ لبنان اقتصادياً فور إثبات العزم الصادق على تأليف حكومة تكنوقراط  تتولى مهمة انقاذ البلد اقتصادياً ووضع قوانين المحاسبة على النهب والفساد وإطلاق عملية انتخابات برلمانية جديدة على أساس قانون حسب مقتضيات الدستور.
استقالة الحريري مهمّة لأنها أولاً لبّت مطلباً أساسياً للانتفاضة، ثم أتى غضب الشارع السنّي من احتمال الاكتفاء بها ليؤمّن لسعد الحريري الحماية وربما أيضاً عودته الى تشكيل الحكومة. هذه الاستقالة أسقطت حكومة التسوية وأضعفت جذرياً قطبيّ حزب الله والتيار الوطني الحر ممثّلاً بالرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل. وهذا انجاز أوّلي يجب البناء عليه تدريجياً من خلال المثابرة على أساس استراتيجية واعية .
في هذه الأثناء، يجب على أبناء الانتفاضة داخل لبنان وداعميها من اللبنانيين في الخارج أن يحضّروا ملفات الفساد للمحاكمة على السرقة والنهب. يجب أن يفعلوا ذلك بكل دقة وتأنّي، عبر مهنيين من قضاة ومحامين ومصرفيين وغيرهم. هكذا يمكن اعادة التخويف الى منبعه، وهكذا يعود الخوف ليمتلك رجال الجشع والاستعلاء. انها مسيرة مستمرة وليست محطّة احتجاج، والجيش بات صمّام الأمان للشعب في لبنان.
وفيما لم يرشح اي معلومات حول المشاورات الجارية، يُعتقد أن العقدة الأساسية تدور حول طبيعة التركيبة الحكومية العتيدة، تكنوقراط أم مختلطة بين سياسية وتكنوقراط، أو سياسية بالكامل، رغم استبعاد البعض الصيغة الأخيرة. فيما ربط البعض السبب في تأخير موعد الاستشارات إلى رفض رئيس الجمهورية تسمية الرئيس الحريري لرئاسة حكومة تكنوقراط، وكذلك رفض خروج باسيل من دائرة التوزير اذا كانت الحكومة ستتشكل من مزيج سياسيين واختصاصيين، ويسود هذا الاعتقاد رغم البيان الصادر عن قصر بعبدا الذي عزا التأخير الى أن التحديات أمام الحكومة العتيدة تفرض مقاربة سريعة، لكن غير متسرّعة لعملية التكليف.
ولفتت أوساط دستورية أن تأخير الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة مخالف للدستور ويكرس سابقة بالتفاهم على شكل الحكومة قبل التكليف، واعتبرت أن هذا التأخير يختزل دور النواب في تسمية مرشحهم لرئاسة الوزراء، ويتجاوز الرئيس المكلف قبل تكليفه بفرض الشروط عليه! ووسط هذه المماطلة في تحديد موعد الاستشارات حكماً سيزداد ضغط الشارع.