ممّا لا شكّ فيه أنّ ثورة السابع عشر من تشرين الأول لن تمُرّ على التيار الوطني الحر دون إحداث زلزلة فعلية في صفوفه التنظيمية، ومحاكمة جدّية لسلوك رئيسه جبران باسيل( صهر الرئيس عون ووريثه)، الذي أمعن خلال الفترة الماضية التي وضع يده على التيار في إسكات الأصوات المعارضة له، وصولاً إلى فصل عددٍ لا يُستهان به من القيادات التاريخية في التيار، كما فاحت روائح الفساد في كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات التي وقعت تحت يده، في الاتصالات والطاقة والكهرباء والسّدود ودهاليز وزارة الخارجية، كما ضاقت بسلوكه الطائفي والفئوي والعنصري قيادات في المعترك السياسي اللبناني، بما فيهم شركاؤه في المحاصصات والفساد، وكان النائب شامل روكز(الصهر الآخر للرئيس عون) قد افتتح منذ مدة مسار الاعتراض الجاد والحازم على سلوك الوزير جبران باسيل وسياساته المحلية والعربية والإقليمية، فأعلن خروجه من تكتّل لبنان القوي، وأتبع ذلك باحتضانه الكامل للتيّاريّين المعارضين الذين طردهم باسيل من "جنّة" التيار، وتوّج ذلك منذ يومين فقط بتأييده للثورة الشعبية، ومطالبته الصريحة بتشكيل حكومة تكنوقراطية واستبعاد السياسيين من شغل المناصب الوزارية، وهذا يعني في المقام الأول خروج الوزير باسيل من الحلبة السياسية بشكلٍ نهائي، وجاء خروج النائب نعمت افرام من تكتل لبنان القوي احتجاجاً على تعامل التيار الوطني الحر مع مجريات أحداث الثورة الشعبية ليزيد الأمور تفكُّكاً وتعقيداً، ونذيراً بعواصف تنظيمية داخلية مُرتقبة، خاصةً بعد خطاب الرئيس عون يوم أمس، والذي انحاز فيه بقدرٍ كافٍ لجانب "شعب لبنان العظيم"، واقتراباً ملموساً من أماني الجماهير المنتفضة ومطالبها، بعيداً عن مهزلة استعادة حقوق المسيحيين المهدورة وسخافتها وتهافتها، واستعداد رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة وحدة وطنية إنقاذية غير مرتهنة للحسابات الطائفية والحزبية، ممّا يعني إبعاد الوزير باسيل عن ملعبه المفضل في إبرام الصفقات وغزْل خيوط العنكبوت الطائفية البغيضة، كما أضاف بالأمس نائب كسروان-جبيل السيد سيمون أبي رميا بارقة أمل في إحداث التغيير المنشود في صفوف التيار الوطني الحر، حين أعلن بالأمس في برنامج صار الوقت مع الإعلامي السيد مارسال غانم، بأنّ ما بعد ١٧ تشرين الأول لن يكون كما كان قبله.
يبقى ربما ما هو مطلوبٌ ومُلحّ، أن يتقدم النائب كيروز خطوة إلى الأمام أو خطوات، دون أية خطوة إلى الوراء، وذلك لاستلام زمام المبادرة في بعث حركة تصحيحية جادّة في مسار هذا التيار الذي ما زال يمتلك قدرات شعبية وسياسية وطنية في المناطق المسيحية خاصةً، وكفاءات ناهضة وفاعلة فيما لو صُوّبت فعالياتها ووُضعت في مسارها الصحيح والسّليم، تمهيداً لإصلاح الخلل الحاصل مع الأطراف الإسلامية المشاركة في مسيرة الوحدة الوطنية والاستقلال والسيادة، ومفتاح هذه الورشة الإصلاحية الوعرة والشائكة البدء بإعادة النظر في اتفاق مارمخايل مع حزب الله، تمهيداً لإبطال مفاعيله السلبية على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله وحفظ نظامه الأساسي وكيانه التاريخي، والذي سيحتفل اللبنانيون قريباً بمرور مائة عام على قيامه.