قال د. غسان العطیة مدیر المعھد العراقي للتنمية والديمقراطية وراعي المبادرة الوطنية (موطني) إن المتظاھرین العراقیین أظھروا تمسكھم بھویتھم الوطنیة وأسقطوا رھانات الطائفیة لأول مرة منذ الغزو الأمیركي عام 2003.
 
واعتبر -في حوار مع الجزیرة نت- أن حكومة عادل عبد المھدي فشلت في طریقة تعاملھا مع مطالب المتظاھرین، ولم تدرك أن الحالة السرطانیة بالعراق لا تعالج بحبة أسبرین، لذلك ما قدمته من رواتب بسیطة للعاطلین أو رواتب تقاعدیة أو إصلاحات أخرى أصبحت أقرب إلى النكتة وزادت من فقدان ثقة المواطن بالحكومة والسیاسیین.
 
ورأى أن كل طرف سیاسي استطاع أن یرمي الكرة في مرمى الآخر، مما یفتح الباب على مصراعیه أمام سیناریوھات مختلفة لعل أسوأھا الحرب الأھلیة على غرار السیناریو السوري.
 
وفیما یلي تفاصیل الحوار:
 
ما السیناریو المتوقع؟
 
لكي نتحاشى الحرب الأھلیة أو السیناریو السوري أو الیمني أو استفزاز إیران أو الصدام معھا والمحافظة على علاقات جیدة معھا، یتعین على زعیم التیار الصدري مقتدى الصدر وتیار الحكمة بقیادة عمار الحكیم وائتلاف حیدر العبادي وكتلة القرار وكتلة إیاد علاوي تشكیل أغلبیة والاتفاق على مرشح انتقالي یقود حكومة انتقالیة بمدة محدودة سنة أو سنتین بمھام محدودة، یتم خلالھا تعدیل قانون الانتخابات وغیر ذلك من تعدیلات، وھذا مقترح تبنیته شخصیا وتبناه آخرون.
 
لكن موقف الصدر وتوجھه إلى زعیم كتلة الفتح (ھادي العامري) شكل مفاجأة كبیرة وتصعیدا غیر متوقع وولد خیبة أمل لدى الكثیر من العراقیین. الأمور تعقدت أكثر، كما أن رد عبد المھدي كان جریئا بعد أن كشف أن مجیئه للسلطة تم بتوافق "سائرون" و"الفتح" وعلیھم الاتفاق على بدیل لتشكیل حكومة جدیدة كي یقدم استقالته.
اعلان
 
 
الآن بدأت تتضح الصورة بعد قول حمید رضا دھقاني مساعد وزیر الخارجیة الإیراني قبل أیام إن الوضع في العراق قلق، وھناك استیاء شعبي ویجب التعامل معه على أنه استحقاق محق ولیس رمي التھم على أمیركا وإسرائیل أو التدخل الأجنبي.
 
لكن تصریحات المرشد الإیراني علي خامنئي نقضت ذلك تماما من خلال قوله "إن أطر الآلیات القانونیة كفیلة بتحقیق المطالب المشروعة للشعبین اللبناني والعراقي" وإن من سماهم "الدول الرجعیة" بالمنطقة یقومون بإثارة الفوضى الیوم أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي زاد المشھد تعقیدا وزاد غضب المتظاھرین فرفعوا شعارات مناهضة للصدر والعامري "لا مقتدى ولا العامري، تبقى بلادي حرة" الأمر الذي دفع الصدر للتصریح بأنه لن یتحالف بعد الآن مع أي طرف.
 
بعد أن استطاع كل طرف رمي الكرة بملعب الآخر، ھناك السیناریوھات التالیة:
 
- خیار عبد المھدي الذي طالب الصدر والعامري بتسمیة رئیس حكومة جدید لمنع الفراغ كشرط لاستقالته.
 
- مجيء شخصیة تطمئن لھا إیران ولكنھا معتدلة من خارج الأحزاب الشیعیة الحاكمة وذات سمعة طیبة ومقبولة نسبیا من الشارع العراقي، وذلك من خلال الضغط على الصدر والعامري.
 
- استمرار المظاھرات وتصاعدھا في حال عدم الاستجابة لمطالبھا، وأرى أن استمرار توجیھه الاتھامات للمتظاھرین بالعمالة للآخرین سیقود إلى عواقب لا تحمد عقباھا وقد تقود إلى حرب أھلیة على غرار السیناریو السوري.
 
 
المظاھرات تركزت في بغداد والمناطق الجنوبیة، فما سببھا وإلى أي شيء تھدف؟
 
المرحلة التي یعیشھا العراق أثبتت أن العملیة السیاسیة التي انبثقت بعد عام 2003 بدعم أمیركي التي تقوم على المحاصصة والطائفیة وصلت إلى باب مسدود، العرب السنة حاولوا إجھاض العملیة السیاسیة لكنھم فشلوا، خاصة وأن العرب الشیعة تم تخویفھم من "البعثیة، داعش" وغیر ذلك. الحاضنة الاجتماعیة لإیران ھم العرب الشیعة في الوسط والجنوب، وھؤلاء من انتفض على النظام الحاكم الذي جاء لیحكم باسم الشیعة. كما أن العرب السنة والأكراد فقدوا ثقتھم بقیاداتھم رغم أن وضع الأكراد حالیا أفضل من الآخرین.
 
إن عدم استیعاب الحكومة لمطالب المتظاھرین وتوجیه الاتھامات لھم، وقمعھم بالسلاح دفعھم لتصعید مطالبھم من قضایا خدمیة إلى المطالبة بتغییر جذري وتغییر الوجوه والنظام السیاسي برمته، وبرأیي الاتفاق على حكومة انتقالیة للتمھید لنظام جدید وسیلة مناسبة للخروج من المأزق.
 
إن الجیل الجدید لا یؤمن بالأحزاب وقادتھم وباتوا یتقربون من النقابات للتعبیر عن مطالبھم، كما أن سلوك المناطق العربیة السنیة سلیم ومعتدل وقلوبھم مع المتظاھرین، لأن مشاركتھم بالمظاھرات تخدم من یرید اتھام المتظاھرین أبناء الوسط والجنوب بالبعثیة (نسبة لحزب البعث) والداعشیة (نسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية) كما استاؤوا من رد رئیس الوزراء على رسالة الصدر باستبعادھم من الحل ومن المناقشات بشأن ما یجري.
 
ھل یعقل أن مثل ھذه المظاھرات التي خرجت بتوقیت واحد عفویة، ألا تكون بقيادة. فمن یقودھا وما أبعادھا؟
 
منذ أسابيع قبل بدء المظاهرات كان هناك حديث عن قرب انفجار شعبي وأن حالة الاستياء الشعبي كانت ولا تزال مرشحة لمن يريد أن يستثمرها سياسيا، ولكن بدأت المظاهرات في بغداد سلمية تماما وتمت إدارة المظاهرات من قبل تنسيقيات بعيدة عن أحزاب السلطة وتم قمعها من قبل قوات أمنية وأخرى تابعة لمجموعات مسلحة مرتبطة بأحزاب، الأمر الذي صعد من رد فعل المتظاهرين، وامتد اتساعها لتشمل الجنوب والفرات الأوسط، وهناك أخذت طابعا عنفيا وصراعا شيعيا شيعيا تمثل بحرق مكاتب أحزاب وفصائل شيعية مسلحة دون أن تمس مكاتب الصدر، لكن موقف الصدر الأخیر قلب الموقف فخرجت شعارات ضده وضد العامري.
 
تجارب التنسیقیات السابقة علمتھم أن أي ظھور علني لقیادات المتظاھرین سیعرضھم للقمع والاعتقال وحتى الاغتیال.
 
من هنا كانت لا مركزية المظاهرات في بغداد وعلى صعيد المحافظات بما يحمي نشاطهم٫ ومع ذلك تعرض الكثير منهم للاعتقال العشوائي.
اعلان
 
ومن أجل استمرار المظاهرات بادر الأهالي بتوزيع الطعام والماء وتحولت "التوك توك" وهي عربة صغيرة بثلاثة دواليب إلى وسيلة نقل وإسعاف.
 
وتم التواصل مع الناس عبر المنشورات وبالذات التواصل الاجتماعي، وإذا الأجيال السابقة كانت تستخدم ما كانت تعرف بماكينة الرونيو والكتابة على الجدران فإن جيل الإنترنت أصبح أكثر فاعلية.
 
هناك أطراف دولية وإقليمية لها مصلحة في دعم الانتفاضة، واستخدمت الإعلام لهذا الغرض، ولا وجود لدليل على أي دعم مالي أو عسكري، وتصريح المسؤول بالخارجية الأميركية بأن "واشنطن لا تتدخل سلبا أو إيجابا وإنما تأمل بأن الشعب يقرر مصيره" يؤكد أن أي صلة للأميركيين أو غيرهم في المظاهرات ستسيء للمتظاهرين أكثر من فائدتها.
 
والشيء الجدید دخول النقابات، خاصة المحامین والمعلمین، على خط الاحتجاجات، وعندما اتھمت العناصر القریبة لإیران المتظاھرین بالتبعیة لأميركا وإسرائیل جاء الرد سریعا بنزول طلاب المدارس الثانویة والجامعات للتظاھر.
 
إن الجیل الجدید المتظاھر لا یعرف الخوف الذي كان یھمن على الشباب في النظام السابق، وعرف كیف یستثمر ھامش الحریة الموجود.
 
كما أن التعاطف الدولي مع المتظاھرین خاصة في أوروبا وممثلي الأمم المتحدة أعطى قوى الاحتجاج زخما معنویا لم تعرفه الاحتجاجات السابقة.
 
 
ما تفسیركم لعدم مشاركة المناطق "السنیة والكردیة" خاصة أن اللون الواضح للاحتجاجات كما ذكرنا أنھا عراقیة ضد الفساد والبطالة؟
 
الأطراف السنیة كانت حذرة ألا تستغل مشاركتھم في المظاھرات بسبب الاتھامات الجاھزة "بعثیة، داعشیة" أو ما شابه.
 
كتلة القرار النیابیة بقیادة أسامة النجیفي طرحت خطة طریق تعتمد حكومة انتقالیة، ومع ذلك عندما خرج طلاب جامعة تكریت للتظاھر تم قمعھم من قوات أمنیة.
 
أما الأكراد فعلى صعید السلطة منقسمون، النفوذ الإیراني قوي بالسلیمانیة والرئیس برھم صالح جاء لمنصبه برضا طھران، لذلك السلیمانیة صامتة، أما أربیل التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني فھي متمسكة بعبد المھدي، لا ترید أي تغییر یقلل من صلاحیات الإقلیم، وھناك ریبة تجاه ما یجري مثل تشكیل حكومة انتقالیة أو ما شابه، وتبقى الخیارات مفتوحة.
 
ولكن على صعید النخب الكردیة، صدر بیان موقع من عشرات الشخصیات العلمیة والمھنیة تأییدا لمطالب المتظاھرین ورفض قمعھم بالقوة..
 
لماذا تعاملت حكومة عبد المھدي بعنف مع الاحتجاجات ولم تستوعبھا وخاصة أن المناطق التي خرجت فیھا تعتبر حاضنة للأحزاب الحاكمة؟
 
كان على الحكومة الاستجابة للمتظاهرين، وكان عليهم أن يعرفوا أن الحالة السرطانية في العراق لا تعالج بحبة أسبرين، لذلك ما قدموه من رواتب بسيطة للعاطلين أو تقاعدية أصبحت نكتة، وتزيد من عدم ثقة المواطن بالحكومة أو بالسياسيين، لكن هل سيمكن اختراق التنسيقيات؟ المعلومات من بغداد تقول إن أطرافا إيرانية فتحت قنوات اتصال مع بعض هذه التنسيقيات عن طريق شخصيات عراقية في محاولة لشق صفوفهم، حاول الصدريون المشاركة مع المتظاهرين ومنعوهم.
 
هل التيار الصدري مستعد للدخول في مواجهة المتظاهرين، خاصة مع انسحاب الشيوعيين من كتلة "سائرون". واستقال النائبان رائد فهمي وهيفاء الأمين من البرلمان، بعد فشل تجربتهما في التحالف مع التيار الصدري؟ كل الخيارات مفتوحة.
 
 
المشكلة الكبرى الآن لیست في استقالة عبد المھدي لكنها في من ھو البدیل، فإذا نسق الصدر والعامري بإشراف إیراني فستتعقد الأمور. عبد المھدي بات كبش الفداء ولم یكشف كل أوراقه، وطلب في حال استجوابه نقل جلسة البرلمان تلفزیونیا وعبر الشاشات، المرحلة حرجة وقدرة التوصل إلى حل صعبة ویمكن أن تنتھي بالسیناریوھات المذكورة أعلاه.
 
البعض ينظر للمظاهرات على أنها ربيع عربي جديد وليست مجرد هبة شعبية، فكيف تراها؟
 
آمل ألا تتكرر انتكاسة الربيع العربي، العرب لم يكونوا بهذا الخواء كما هو عليه الوضع الآن، المنطقة تحت سيطرة إيران وتركيا، الصراعات العربية العربية خدمت إيران وإسرائيل، هناك تجربة ديمقراطية ناجحة في تونس والسودان، وقبل ذلك في مصر بعد ثورة يناير عندما انحاز الجيش للشعب وتم اجراء انتخابات حرة فاز بها الرئيس الراحل محمد مرسي.
 
في العراق إذا استخدم الجيش سيتدخل الحشد الشعبي، الشي الجديد في العراق أنه لأول مرة بعد 2003 يظهر العراقيون متمسكين بوطنيتهم، هذا التحول النوعي أعاد رفع معنوياتهم وأسقط رهانات الطائفية، والبعض يشبهها الوضع بثورة العشرين، واليوم أبناء الجنوب في هذه المظاهرات أعادوا الحياة للجذوة الوطنية.
 
إن انتصار انتفاضة العراق ولبنان سیغیران الخارطة السیاسیة للشرق الأوسط، ومن ھنا الخوف من إجھاضھا على ید قوى التخلف والطائفیة والتبعیة.
 
ما تقييمكم للموقف الدولي والإقليمي؟
 
الموقف الإيراني صعب، طهران قادرة على حل مشاكل الشرق الأوسط إذا أرادت، لكن هل تستطيع أن تتعامل كدولة وهي مؤهلة لأن تكون قوة كبرى وتهتم ببناء اقتصادها وتطوره وخدمة شعبها دون خوض حرب مع أي طرف على غرار التجربتين الكورية والصينية، الصين الآن في طليعة دول العالم في المجال الاقتصادي. أو ستلجأ إلى خيار اعتبار العراق بمثابة خط الدفاع الأول عن أمنها القومي، في هذه الحالة لن يعرف العراق والمنطقة الاستقرار.
 
موقف تركيا له حسابات خاصة، فهي تستورد النفط والغاز من إيران رغم اختلافها معها في سوريا، على الصعید الإقلیمي والدولي وبقدر ابتعاد أنقرة عن واشنطن تتقارب مع موسكو وطھران، هل يدور شيء ما وراء الستار؟ هل سنتجه إلى سايكس بيكو جديد تتقاسم فيه أنقرة وطهران النفوذ في الشرق الأوسط خاصة في سوريا والعراق؟ إن مثل ھذه الوصفة لا تحقق الاستقرار إقلیمیا أو عالمیاً.
 
أما السعودية والخليج فكان لهما دور خلال المظاهرات السابقة في الأنبار من خلال المال، أما الآن فمن غير الواضح الدور الذي تلعبه في المظاهرات الحالية، لكن التغطية المكثفة والتصعيدية للإعلام الموالي للرياض مثل "العربية، العربية الحدث" مشابهة لتغطية قناة الحرة-عراق الأميركية توحي أن هناك تفاهمات بشأن العراق، لكن يتعين على الجميع أن يدرك أن جذوة الوطنية العراقية التي أفرزتها المظاهرات الشعبية ترفض أي تدخل إقليمي أو أجنبي في شؤون العراق. 
 
أرى أننا ندفع ثمن انتكاسة التيار العروبي في المنطقة، وأملنا أن تعيد المظاهرات جذوة العروبة في العراق، ما يحدث في البلد سيكون له تأثير كبير على كل الشرق الأوسط.