خرج اللبنانيون إلى الشوارع من أجل طي صفحة الدولة الطائفية إلى الأبد. ومن حق نصرالله وأوليائه في إيران أن يعتبروا ذلك الاحتجاج مؤامرة تهدف إلى إنهاء مشروعهم، الذي يستمد وجوده من استمرار بقاء تلك الدولة.
 

كان متوقعا أن يعتبر حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، الاحتجاجات الشعبية اللبنانية مؤامرة على المقاومة. أما كيف ولماذا، فلأن السيد قد أدرك أن المحتجين لم يعد يخيفهم سلاح حزب الله، الذي كان وسيلة للهيمنة على الدولة حتى باتت تلك الدولة بمثابة دولة لحزب الله. وهو ما دفع بهم إلى الوصول إلى الأقصى في مطالبهم، حين لم يكتفوا بالمطالبة بإسقاط الحكومة بل وأيضا بإسقاط النظام الطائفي الذي تستند عليه، وهو ما يعني إزالة دولة حزب الله.

الشعب اللبناني يتآمر على دولة حزب الله من أجل إسقاطها. تلك حقيقة لا لبس فيها. وهو في طريقه إلى إسقاط تلك الدولة يطالب بمحو كل رموز الفتنة الطائفية من المشهد السياسي، الذي يحتاج إلى أن يكون نظيفا من أجل إقامة دولة المواطنة، التي لن تكون عاجزة عن استيعاب الكفاءات اللبنانية المقيمة والمهاجرة، من خلال استعادة حس المواطنة ووعيها اللذين سيعيدان إلى الشعب اللبناني هويّته.

قد يُقال إن اللبناني لا يزال متمكنا من تطوير عناصر هويته الخاصة بما يلائم العصر. ذلك ليس صحيحا. فحزب الله، وقد احتوى الدولة وصار الآمر الناهي فيها، في طريقه إلى أن يغلق كل الآفاق التي من شأنها أن تجعل اللبنانيين أحرارا في التحكم بشؤون حياتهم. ذلك الحزب الذي صار سيد الدولة هو جزء من مشروع إيراني لن يكون لبنان بموجبه إلا إقطاعية تابعة لسلطة الولي الفقيه، وهي سلطة لا تعلو عليها أي سلطة أخرى.

بسبب دولة حزب الله لم يعد لبنان ملكا لأبنائه، ولم يعد اللبنانيون سادة في بلادهم.

ذلك جوهر الحكاية التي دفعت اللبنانيين إلى رفض الطبقة السياسية التي يقوم وجودها على نظام طائفي سمح لحزب الله بأن يقودها، بعد أن تعهد بأن يضمن مصالحها. لقد خانت تلك الطبقة السياسية لبنان وشعبه حين تخلت عن حريتها النسبية داخل النظام الطائفي، مقابل أن تتمتع بامتيازات غير مسبوقة على حساب الشعب اللبناني. ما كان يجري في الحياة السياسية اللبنانية هو عبارة عن مسرحية يديرها حزب الله تمهيدا لإعلان لبنان ولاية إيرانية.

كل ذلك كان واضحا بالنسبة لحسن نصرالله، بالرغم من أن المتظاهرين لم يرفعوا شعارا واحدا ضد حزب الله. يكفي أنهم رفعوا شعار “كلن يعني كلن”، بمعنى “كلهم يعني كلهم”، ليشعُرَ نصرالله بالفزع والذعر. فالاحتجاجات وصلت إلى باب بيته، وهو ما يشير إلى أن “المؤامرة الأميركية الصهيونية السعودية” قد وضحت خيوطها وصار الحبل قريبا من رقبته. فهل يستسلم وهو المدجج بالسلاح والمكلف من قبل سيده الولي الفقيه بحماية المشروع الإيراني؟

وإذا ما كان حزب الله قد تمكن من اختطاف جزء ليس قليلا من الشعب اللبناني ووضعه تحت قبضته من خلال عملية غسيل مستمرة للعقول، فإن هناك جزءا أكبر من الشعب اللبناني بقي حريصا على نظافة عقله ولا يزال حريصا على لبنانيته. وهو ما مكن اللبنانيين من رؤية الحقيقة كما هي والخروج إلى الشوارع، دفاعا عن الحقيقة في مواجهة واقع زائف سعى حزب الله إلى اعتباره رمزا لمقاومة لم تعد ضرورية بسبب انتفاء الحاجة إليها.

مع مضيّ الوقت تحولت المقاومة إلى كذبة، يستعملها حزب الله من أجل تبرير وجوده خارج الشبهات والمساءلة.

“لقد أثقلت حياتنا بالمآسي سيد نصرالله”، ذلك ما يقوله لسان كل لبناني، سواء كان معارضا لحزب الله أو مواليا له. فالمقاومة كانت شعارا فجائعيا دفع ثمنه اللبنانيون، وهو ثمن كان أكبر بكثير من الثمن الذي دفعته إسرائيل. كانت مقاومة نصرالله أشبه بشعار تحرير القدس، الذي رفعه النظام الإيراني بشرط أن يسبق تنفيذه الشروع بتدمير العالم العربي من خلال احتلاله.

بحجة المقاومة احتل حزب الله لبنان وفكك دولته وأقام دولة بديلة هي دولته.

ذلك الواقع البائس هو الذي دفع باللبنانيين إلى الخروج إلى الشوارع محتجين من أجل طي صفحة الدولة الطائفية إلى الأبد. ومن حق نصرالله وأوليائه في إيران أن يعتبروا ذلك الاحتجاج النبيل مؤامرة تهدف إلى إنهاء مشروعهم، الذي يستمد طاقته في الوجود من استمرار بقاء تلك الدولة.