إنه الاستثمار بالشارع في محاولة لتجاوز الازمة وشيطنة الحراك الشعبي من خلال تفريغه من مضمونه واهدافه.
 
لاشك انه بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، دخل الوضع السياسي والانتفاضة الشعبية منعطفاً جديداً وبعد مخاض سياسي وامني، وتجاذبات حول مطالب المعتصمين في الساحات ومطالب بعض القوى السياسية، وإن كان الجامع بين الطرفين مطلب استقالة الحكومة، وقد تحقق هذا المطلب لكن السؤال ماذا بعد؟
عملياً، دخل لبنان نفقاً جديداً طويلا لا يظهر الضؤ في آخره، فمن جهة يفرض الدستور على رئيس الجمهورية إجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس للحكومة، ومن جهة اخرى ستبدأ بالظهور مشكلة من هي الشخصية التي سيقترحها النواب، في ظل الانقسام الحاصل بين القوى السياسية المتمثلة في البرلمان. 
واذا حصل التوافق على الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة سيظهر الخلاف على شكل الحكومة وعدد وزرائها وعلى توزيع الحقائب.
 
 سيدخل لبنان ما بعد الاستقالة نفق الأيام السّود،شبح الانهيار الاقتصادي وأزمة الليرة وسعر الدولار ستكون عناوين الأيام المقبلة، بالكاد ستكون الحكومة المستقيلة حكومة تصريف أعمال، ومن سخرية واقعها أنّها على عجزها الشّديد ستكون في مواجهة أزمات عملاقة تقبل فاغرة فاها كغولٍ مخيف لتبتلع الواقع اللبناني المأزوم. على العهد ومستشاريه ومن معه ان يخرجوا من ممارسة سياسة النعامة ويواجهوا الواقع بموضوعية ،عليهم أن يدركوا أنّ الإصرار على التمسّك بجبران باسيل وزيراً سيطيح بالعماد ميشال عون رئيساً، فليتفضّل صاحب الشأن ويبعد الصهرالذي كلّف البلد كثيراً حتى اليوم ولم يترك للعهد صديق من الفرقاء السياسيين بل حوّلهم إلى أعداء، فليتفضّل العهد ويسحب صهره من التداول السياسي، علّ العهد ينطلق أخيراً قبل أن تنتهي ولايته! إذا تأخّر  تشكيل الحكومة الجديدة يكون لبنان قد دخل لبنان فعلاً في المجهول.  وهذا ما لا يتمناه اللبنانيون ومحبّو لبنان.
 
 
لا يشبه 17 تشرين الأول أي تاريخ آخر في الحياة السياسية اللبنانية، بعدما جمع ما فرقته عشرات السنين من المتاريس والحروب والمخططات العابرة للحدود، فصورة بيروت في هذا اليوم كانت مشهدية نادرة إلى حد وصفها البعض بالاعجوبة، وربما يكون هذا الوصف هو الأدق لهكذا حراك في بلد طائفي كلبنان.
 
إلا أن الساعات الأخيرة حملت معها الكثير من الخوف والقلق، ليس على مصير الحراك الشعبي فقط إنما على مصير البلد، بعد محاولات مختلفة لاستثمار الشارع واذكاء نار الفتن الطائفية. على الجميع أن يعي جيداً، أنّ اللبنانيين الذين كسروا حاجز الخوف في الشارع، وأن يتأمّل جداً في مشهد المواجهة بين صبيّة لبنانيّة وبعض الرعاع وهم يتعرّضون لها بالتخويف والترهيب فلا تخاف ولا تهرب وتثبت في الساحة وتواجهم بالنشيد الوطني اللبناني، الشباب اللبناني الذين واجهوا الدهماء الذين هاجموا جسر الرينغ وهم يقولون حاملين غيتارات ورابطين شعورهم ومشنشلين الحلق بدينيهم، هذا الشباب هزم همجيّتكم وبربريّتكم، ومسح بصورتكم أرض الساحات .
 
فما شهدته ساحة رياض الصلح من أعمال تخريب، وما بدأت تشهده بعض المناطق من تحركات شعبية كادت أن تكون دموية، باتت تنبئ بما هو أخطر بكثير؛ فلعبة الشارع أصبحت تلامس دائرة الخطر، وخطوط السلم الاهلي والاستقرار في البلد الذي بات مهدداً بالفوضى في أي لحظة.
إنه الاستثمار بالشارع في محاولة لتجاوز الازمة وشيطنة الحراك الشعبي من خلال تفريغه من مضمونه واهدافه ووضعه في خانة الشبهة والتشكيك تمهيداً لضربه بحجة اخماد الفتنة والفوضى.
 
إنه استحقاق مفصلي أمام القيمين على هذا الحراك لضمان استمراريته بعد تحقيق اولى انجازاته، وعدم السماح لأحد بسرقته وإلا سيكون البلد أمام صورة أخرى لا تشبه بشيء صورة 17 تشرين الحضارية التي ادهشت العالم.!