ما يحدث بين إيران وأميركا، وبين العراق وإيران، فقد وجد قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي «أن ضعف أميركا سببه عدم وجود رجل دين قائد لها». وقال يوم الجمعة الماضي - مع بدء المظاهرات الدموية في العراق، حيث ردد العراقيون: «إيران برّا برّا، بغداد حرة حرة» - إن «أميركا وحتى كل أعدائنا الذين يؤدون اليمين الدستورية يعترفون بأن ضعفهم الأكبر سببه عدم وجود زعيم لهم من رجال الدين».


ويحكم إيران رجل دين شيعي، حسب ما ينص عليه دستورها. وهو لا يجسّد القيادة السياسية فحسب بل يسيطر على المؤسسات الأمنية والدينية القوية في البلاد. وهذه القضية مثيرة للجدل في إيران، حيث يطالب الكثير من المواطنين بديمقراطية علمانية. وقال سلامي إن 60 في المائة من سكان العالم، و60 في المائة من قوته العسكرية، و50 في المائة من قوته الاقتصادية يسيطر عليها «أعداء الجمهورية الإسلامية»، ولكنهم لا يستطيعون اتخاذ القرارات. كان منتشياً وهو يشير إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يردوا على هجمات إيران على ناقلات النفط، وعلى منشآت «أرامكو». ثم قال: إذا اجتمع رؤساء أميركا وفرنسا وبريطانيا فلن يتمكنوا من إنشاء «بعوضة».


وأصر على أن إيران تخوض حرباً كبيرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، مضيفاً: لقد أصبح الشعب الإيراني قوياً إلى درجة أنه لا يشعر بذلك.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من حالة ركود عميقة مع نمو سلبي يقدر بنحو 9.5 في المائة عام 2019، ويرجع ذلك إلى العقوبات الاقتصادية الأميركية، وفقدت عملتها معظم قيمتها وتجاوز التضخم ما يزيد على 40 في المائة.


السؤال هو: هل بحث الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله فكرة وجود رجل دين على رأس الدولة اللبنانية مع إيران، إذ قال في إحدى خطبه الأخيرة إن «حزب الله» إذا نزل إلى الشارع فقد يبقى فيه شهراً أو سنة أو 3 سنوات حتى يحقق مطالبه! وحسب الأسلوب الإيراني اتهم نصر الله أكثر من مليوني متظاهر لبناني من كل الطوائف بأنهم ينفذون أوامر سفارات أجنبية تمولهم. ورفض كل طلباتهم المشروعة، وتصرف على أنه فعلاً رئيس البلاد بقوله: لا لإسقاط الحكومة، لا لحكومة تكنوقراط، ولا مسّ بالعهد القوي! المفاجأة أن أحداً من المتظاهرين لم يبل، وخصوصاً في المناطق التي يسميها «بيئته الحاضنة». وكان استمرار «الثورة الجميلة» بمثابة وضع عصي كثيرة في البنى التحتية للحزب وحلفائه. وسيكون من الخاسرين. فهل ينفذ نصيحة قائد «الحرس الثوري» الإيراني في لبنان ويجلس في القصر الجمهوري؟ لكن كيف يقضي على نصف الشعب اللبناني؟


ثم جاء مقتل أبو بكر البغدادي. كان المرشد علي خامنئي اقترح عدة مرات أن الولايات المتحدة لا تقاتل تنظيم «داعش» حقاً، بل في الواقع هي من قامت بتأسيسه وتساعده. بعد اغتيال البغدادي على يد الأميركيين سيضطر خامنئي إلى شرح روايته الخاطئة. ومن المتوقع أن يدعي ويدفع بمسؤولين إيرانيين إلى القول إن واشنطن قتلت البغدادي بعد انتهاء صلاحيته، وسبق لطهران أن أثارت هذا الزعم بعد اغتيال زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن على يد الأميركيين أيضاً. ولأن الادعاء صارخ إلى درجة كبيرة فإن خامنئي إما يتجاهل الأمر أو ينكره.


وهنا نصل إلى ما بين العراق وإيران. صار واضحاً انحياز آيات الله في العراق إلى جانب احتجاجات الشعب العراقي العربي ويشجعون عليها ويدعمون الشعب، وهذا يكشف الفرق الواضح بينهم وبين نظرائهم في إيران. رجال الدين الشيعة الكبار في العراق يؤدون وظيفتهم الأصلية، أما في إيران فإن وظيفتهم الأساسية التحكم بالسلطة والشعب، ويريدون توسيع ذلك للتسلط على العراق وشعبه.


من هنا، بروز الرسائل التي وجهها حسن الموسوي الذي يسمونه في العراق «مرشد ثورة تشرين الإمام الموسوي العراقي العربي». هي رسائل أبرزها إلى المرشد الإيراني علي خامنئي وإلى الجيش العراقي. إلى خامنئي قال: «أنت تعلم كما يعلم غيرك أن العراق وشعبه أصيل عليكم وعلى غيركم، ولا تستطيعون الاستمرار بأفعالكم هذه وتصدير ثورتكم الفاشلة لشعبنا. وتعلمون كذلك أن شعب العراق شعب مسلم ولا يحتاج إلى قيادتكم وتوجيهاتكم وثوراتكم. وإن شعبنا هو جميل وملتحم بكل أطيافه وألوانه الجميلة وهو واحد موحد بوطنيته. لقد قمتم بتكوين فصائل مسلحة تنتمي إليكم ولا تنتمي إلى العراق، إذ أطلق عليها الشعب العراقي اسماً يليق بها وهو (الذيول). أقول لكم: اسحبوا (ذيولكم) إلى دولتكم قبل أن يسحقهم الشباب العراقي العربي بالأقدام، وهذا ما لا نتمناه لأن الدم العراقي غالٍ وعزيز علينا».
يضيف الموسوي: «نعرف جيداً أن حقدكم علينا قديم وأنكم لا يمكن أن تحبوا العرب أبداً، وحاولتم استغلال الشعب العراقي الصادق بكلمات عاطفية تتعلق بالدين وباسم الحسين (...) اعلم يا سيد خامنئي أننا كعراقيين نرفض وجودكم في بلادنا ونعتبركم محتلين غزاة، فإن لم تخرجوا مع (ذيولكم) فلنا حديث آخر معكم. لا تجربوا حظكم العاثر معنا، فإن شعب العراق سوف يطردكم مع الحكومة الفاسدة العميلة لكم (...) كما نعلم جيداً أنكم تريدون ثأر الحرب التي دارت بيننا وبينكم لمدة 8 سنوات». وأضاف: «عندما وضعتم أيديكم على أكتاف العراق وبثثتم روح الطائفية فيه، نهبتم العراق، وسُلمت خزائن العراق إليكم من قبل الموالين لكم، فقد حان الوقت وعليكم أن ترحلوا لأن عندنا جيلاً من الشباب لا تستطيعون قهره أبداً، وهو يقاتل الحكومة الفاسدة المدججة بالسلاح بصدور عارية، ومستعد للشهادة من أجل كرامة الوطن وسيادته».


وزاد: «إننا نعلم علم اليقين بالوثائق والأدلة والشهود بأن تمويل (حزب الله) في لبنان والحوثيين في اليمن وميليشياتكم في سوريا والعراق هي كلها من أموال الشعب العراقي المظلوم. كما نعلم أن لديكم مصارف في العراق تسحب الحكومة منها العملات الصعبة وتحولها إليكم، وأن الحكومة العراقية الفاسدة تبيع كميات كبيرة من النفط العراقي وتحول المبالغ إليكم بحجة أن بلدكم يمر بحصار، فأقول للحكومة العراقية (حكومة الصدفة)، عليكِ أن تعلمي أن هناك أرامل وثكالى وفقراء جياعاً في بلد الخير الذي تذهب خيراته لغيره، فكفاكم يا سيد خامنئي نهباً وسلباً وإهانة لشعبي الأبي».


وفي رسالته إلى مقتدى الصدر يلوم الموسوي الدعوة إلى ارتداء شباب مقتدى الكفن، فهو لا يريد التمييز، لأنها ثورة عراقية شعبية مطلبها واحد. وقال للصدر: نحن نحبكم ونعتز بك ويكفي أنك عراقي من أصل صحيح النسب، ودعاه إلى إسقاط الحكومة عبر البرلمان والتعاون «جميعاً» من أجل طرد الدخلاء عن العراق.


أما إلى شعب العراق فيعترف الموسوي بأن الشباب الثائر غيّر المسار «وقد صحت ضمائر العراقيين من خلال ثورتكم المباركة فسيروا والله ناصركم ومعكم كل القوى الوطنية الثائرة». ودعا العشائر العراقية إلى «الالتحاق حتى تحقيق النصر المنشود، وهو تطهير العراق من الفاسدين والعملاء والخونة ليبقى العراق حراً كريماً بإرادته وصنع قراراته بعيداً عن كل تدخل أجنبي وخصوصاً إيران التي أوصلت العراق إلى هذه الحالة المزرية. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار الذين سقطوا قرباناً للعراق (...)».


وفي رسالته إلى «الوطنيين الأحرار» يعترف الموسوي: «إننا تعلمنا منهم الوطنية والشجاعة والحرية (...) الذين علناً يقولون: نحن ثورة من أجل كرامة العراق، كلا للطائفية وكلا للأجنبي وكلا لنهب ثروات العراق وكلا للفاسدين والعملاء وكلا لإذلال الشعب وكلا للعبودية (...). هم سيكونون بناة الدولة المدنية الحديثة لأن فيهم البروفسور، والطبيب والمهندس وأصحاب شهادات علمية عالية، وهم مغيّبون تماماً في ظل هذه الدولة الفاسدة التي وضعت الجهلة مكان المتعلمين (...). إن بعض القيادات الدينية سيّست الدين وارتمت بحضن الغريب وكان ولاؤها لغير العراق».
أما رسالته إلى الجيش «العراقي الباسل» وقوات الشرطة والأجهزة الأمنية، فحملت تحية وطنية حرة: «عبارتكم المشهورة: نحن باقون والحكومات تتبدل»، فندعوهم إلى إثباتها واقعياً بالوقوف إلى جانب الثوار ولا يسمعوا «إلى القيادات العميلة التي توجهكم لضرب إخوانكم وأخواتكم. وألا تسمحوا للأحزاب المسلحة التي يقودها (المجرم) قاسم سليماني الذي أوغل بشعوب المنطقة وقتل الآلاف باسم الدين والمذهب. يضيف في رسالته للجيش العراقي: افسحوا الطرقات أمام الثوار (...) إن الأجنبي راحل لا محالة وإن الحكومات الفاسدة راحلة (...) وسندعو إلى حكومة يقودها عسكري استعداداً لانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة.


وأخيراً ناشد الموسوي كل المنظمات الدولية مساعدة العراق وإنقاذه من الهيمنة الإيرانية التي سلبت كل مقدرات الشعب العراقي وحاولت ولا تزال أن تبث الجهل في صفوف أبناء شعبنا (...) وتحاول تركيع العراق وشعبه تحت الوصاية الإيرانية. إن إيران تتصرف وتسلب العراق منذ 15 سنة.


كم ينطبق هذا على الوضع في لبنان، مع فرق واضح أن الجيش والقوى الأمنية لا تزال تقف لحماية «الثورة» الجميلة. وكم يناقض من يقول من اللبنانيين إن «حزب الله» هو لبناني وله ممثلون في الوزارة ومجلس النواب. الموسوي يصف «الحشد الشعبي» الذي له أيضاً ممثلون في البرلمان العراقي، بـ«الذيول» والولاء لإيران. أما في لبنان فهتف مناصرو «حزب الله» بـ«الولاء لخامنئي»، ثم... بدأوا و«حركة أمل» بمحاولة إحراق الثورة، فسقطوا!