ما الذي فعله أبوبكر البغدادي ليكون أسوأ من خامنئي؟ هل كان البغدادي المحتجب بعد أن انتهى مشروعه أشد خطورة من خامنئي الحاضر بقوة مشروعه التوسعي العدواني؟
 

لو قُدر لأبي بكر البغدادي أن يعود حيّا ويرى كم كان خبر مقتله مبهجا بالنسبة للولايات المتحدة حتى أن رئيسها اعتبره نصرا تاريخيا لشعر بالسعادة. فالبغدادي شخص نكرة. ظهر ذات مرة وهو يلقي خطاب انتصار لم يكن في حقيقته انتصارا حقيقيا بقدر ما هو صفقة تخلى بموجبها نوري المالكي، باعتباره رئيسا للوزراء، عن الموصل مقابل أن يقوم البغدادي بتحويل سكان الموصل إلى دواعش خارجين على القانون، لكي يكون ذلك مبررا لإبادتهم وتدمير مدينتهم.

نفذ البغدادي الواجب المطلوب منه بطريقة مغالى في إتقانها واختفى بعد أن أحال وجوده واحدة من أهم مدن التاريخ رمادا.

فما الداعي إلى قتله واعتبار ذلك الحدث مشهدا كونيا عظيما شبيها بنزول الإنسان على القمر؟

دونالد ترامب في حاجة إلى البغدادي ميّتا ليفكّ من خلال موته قيوده.

عجيب أمر الرؤساء في الولايات المتحدة. فباراك أوباما احتاج إلى البغدادي حيا، في حين احتاج ترامب إليه ميتا. ذلك درس بليغ للعملاء. فهم تلاميذ في مدرسة لا تضمن لهم النجاح دائما وهم أحياء فقد يكون موتهم هو ثمن ذلك النجاح. ذلك ما حدث سابقا مع أسامة بن لادن.

لكن المؤسف أن دولة بحجم الولايات المتحدة، وهي الدولة الأولى بعظمتها في العالم، تستعرض مقتل خادمها المطيع وتضعه في مقدمة نشرات الأخبار متناسية سقوط عشرات القتلى في شوارع بغداد في مظاهرات تهدف إلى إنهاء الهيمنة الإيرانية، وهو كما يُفترض واحد من أهم الأهداف التي دفعتها إلى فرض عقوباتها على إيران.

مقتل أبي بكر البغدادي كان عنوانا مثيرا لوسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم. أما مقتل شباب عراقيين متظاهرين سلميا في بلادهم على أيدي ميليشيات إيرانية فإنه لم يستحق أي التفاتة من قبل الإدارة الأميركية التي تزعم أنها خلصت البشرية من آخر الأبالسة الذين يهددونها بالفناء.

وماذا عن الأبالسة الذين يمارسون القتل في بغداد في حق شعب أعزل؟ لا جواب.

أليس ذلك نوعا من التواطؤ مع مشيئة شيطانية إيرانية كانت السبب دائما في هدم أسس الحياة في المنطقة، ومنع شعوبها من النهوض ومقاومة قوى الجهل والظلام؟

ما الذي فعله أبو بكر البغدادي ليكون أسوأ من خامنئي؟

هل كان البغدادي المحتجب بعد أن انتهى مشروعه أشد خطورة من خامنئي الحاضر بقوة مشروعه التوسعي العدواني؟

أعتقد أن الخبر الاستثنائي التي تبحث عنه الولايات المتحدة لا يتعلق بمصائر الشعوب، بل بخاتمة الفيلم الغامض الذي كان عنوانه “داعش” الذي لا يجرؤ أرباب السياسة على مناقشة تفاصيله التي لا تزال في علم الغيب.

لم يكن فيلم “داعش” متقن الصنع مثل فيلم “القاعدة”، غير أن الرقابة على التعليق عليه ونقده كانت أشد صرامة وحزما. لذلك تجنب الكثيرون الخوض في أسراره، وكانت الرواية الأميركية هي المصدر الوحيد في التعرف عليه وعلى حياته الداخلية.

التنظيم الذي كان أشد فتكا من سواه من التنظيمات الإرهابية توزع من تبقى من أفراده الأحياء بين الأمم ومن المتوقع أن بعضهم قد عاد إلى بلاده أو إلى المعسكرات الخفية أو طلب اللجوء في أوروبا.

لذلك فإن اختفاء البغدادي، زعيم التنظيم، لم يثر استغراب أحد. فالرجل اختفى مثلما ظهر. لم يكن العالم في حاجة إلى الإعلان عن مقتله الذي لن يضيف شيئا إلى الفيلم الذي سيظل ناقصاً.

ما هو مستغرب فعلا أن يجن جنون رئيس الولايات المتحدة فرحا من أجل خبر، يعرف جيدا أن في إمكان أجهزته الاستخبارية أن تقف وراء صناعته من غير أن يكون حقيقيا.

وحتى لو كان ذلك الخبر صحيحا، فإنه لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. ذلك لأن البغدادي لم يكن سوى دمية. لذلك فإنه لم يساهم في كتابة فصول المسرحية الدموية التي كان بطلها.