إيران تتصدى لانتفاضة العراق بميليشيات سرية مرتبطة بقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
 
بدا أن صبر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، قد نفد تجاه موجة الاحتجاجات التي باتت تهدّد نفوذها في العراق ولبنان، وهو ما دفعه إلى توجيه رسائل ضمنية للميليشيات الحليفة تحثها على “معالجة أعمال الشغب”، مجددا اعتبار الانتفاضات الشعبية كونها نتاج مؤامرة أميركية إسرائيلية بدعم من دولة عربية.
 
ويتزامن هذا مع معلومات عن أن إيران قررت أن تدفع بميليشيات جديدة يتم تدريبها تحت إشراف مباشر من قاسم سليماني قائد فليق القدس بالحرس الثوري، في ظل فشل الميليشيات المكونة للحشد الشعبي في مهمتها باحتواء الانتفاضة وتفكيكها قبل أن يتسع الغضب.
 
وحث خامنئي، الأربعاء، من أسماهم بـ”المخلصين”، على “معالجة أعمال الشغب” التي تغذيها الولايات المتحدة وإسرائيل في العراق، ما اعتبره مراقبون بمثابة وفاة للحشد الشعبي.
 
وأوصى خامنئي خلال احتفال عسكري في إيران، الأربعاء، “الحريصين” في العراق بأن “يعالجوا أعمال الشغب المدارة من قبل أميركا والكيان الصهيوني”، مؤكدا أن “مطالب الناس المحقة إنما تتحقق حصرا ضمن الأطر القانونية لبلادهم”.
 
وقال إن “أعظم ضربة يمكن أن يوجهها الأعداء لأي بلد هي أن يسلبوه الأمن”، في إشارة إلى فشل الحكومة العراقية في السيطرة على الاحتجاجات الشعبية”، مشيرا إلى أن “أميركا وأجهزة الاستخبارات الغربية المدعومة بأموال الدول الرجعية في المنطقة تشعل أكثر من الجميع في العالم أعمال الشغب”.
 
وأوصى خامنئي “الحريصين” على العراق بأن “يجعلوا أولويتهم علاج انعدام الأمن والاستقرار”. وأضاف أن “للناس مطالب أيضا وهي محقّة، لكن عليهم أن يعلموا أن مطالبهم إنما تتحقق حصرا ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم”، في إعلان صريح لرفضه أي تغيير في النظام السياسي الموالي لجمهوريته الإسلامية.
 
ويرى مراقبون أن خامنئي أعاد نفس الخطاب الذي ألقاه أمين عام حزب الله حسن نصرالله برفض دعوات المحتجين إلى إحداث تغييرات جذرية على النظام الطائفي، والاكتفاء بطلب إصلاحات من الحكومة، أي إصلاحات محدودة ولا تمس نفوذ الحزب.
 
وكانت ميليشيات حزب الله قد قامت بمهاجمة المحتجين في الساحات وحاولت تفريقهم، لكنها عجزت عن ذلك، ما يؤكد انزعاج الحزب وقياداته من الانتفاضة ومطالبها.
 
ورأى مراقبون أن تصريحات خامنئي، تتضمن إشارة واضحة إلى وصول القلق الإيراني حتى منتهاه بالنسبة لمصير حركة الاحتجاج العراقية غير المسبوقة، التي انطلقت مطلع أكتوبر، وتطورت كثيرا قبيل نهايته بخمسة أيام.
 
ومن وجهة النظر الإيرانية فإن اختزال حركة الاحتجاج العراقية الواسعة، التي شملت بغداد ومدنا عدة في الوسط والجنوب، حيث أغلبية السكان الشيعة، في مصطلح “أعمال شغب” يعني نهاية جميع السيناريوهات التي كانت تطرح سابقا، ومن بينها دفع قوات الحشد الشعبي إلى مواجهة مع الجمهور.
 
وبدا جليا، أن خامنئي انتقى عباراته بدقة، لتؤدي هدفها، وهو إيصال رسالة إلى العراقيين، بأن التعامل مع احتجاجاتكم لن يتم عبر الأجهزة الرسمية التي تعرفونها، ومن بينها الحشد الشعبي، وهو مصطلح استخدم فترة طويلة لتغطية النشاط المسلح لجماعات عراقية موالية لإيران، بل عبر أدوات إيرانية واضحة، يملكها “المخلصون” للمرشد الأعلى.
 
 
وقالت مصادر حكومية رفيعة في بغداد لـ”العرب”، إن تصريحات خامنئي منحت الضوء الأخضر لقاسم سليماني، لبدء سيناريو آخر في العراق، يتمثل في تهديد كل مراكز القوى التي يمكن أن تنقلب على المصالح الإيرانية التي تمثلها حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي.
 
وكشفت المصادر أن “رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري، المقربين من إيران، أبلغا جميع زعماء الكتل السياسية في البرلمان العراقي والرئيس برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، بأن الإطاحة بعادل عبدالمهدي من دون ضمان كامل لمصالح إيران، ستدفع جمهورية إيران إلى تدخل عنيف في العراق”.
 
وبرغم غياب أي مؤشر على إمكانية تحرك عراقي داخلي لمواجهة الاندفاع الإيراني الأخير نحو العراق، إلا أن خامنئي على ما يبدو، لا يريد ترك أي فراغ في خانة الاحتمالات، بما في ذلك تحركات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أو محاولات الرئيس برهم صالح لإقناع عبدالمهدي بالتنحي.
 
وقالت المصادر إن الاتجاه العام في الأوساط السياسية حاليا يسير نحو إعلان البرلمان عن إمهال الحكومة العراقية ثلاثة أشهر لتحقيق إصلاحات جذرية، أو إقالتها، على أمل توفير مناخ يسهم في تسهيل إجراءات فض التظاهرات.
 
 
وقال نشطاء إن الساسة الموالين لإيران يبحثون عن أي صيغة لإنقاذ الحكومة، وسط توقعات بأن سقوط عبدالمهدي سيكون مقدمة لسقوط أطراف سياسية كبيرة تهيمن على المشهد العراقي منذ أعوام.
 
وبدا أن المحتجين في ساحة التحرير، كانوا أكثر دراية بالتطورات المتسارعة من الطبقة السياسية برمتها، إذ شهدت ساحة التحرير، على غير عادتها، حضورا كبيرا جدا في ساعات النهار، وتحديدا بعد ذيوع تصريحات خامنئي بين الجمهور، ما اعتبر ردا شعبيا على محاولة التدخل الإيرانية الجديدة.
 
وقال الناشط البارز أحمد عبدالحسين، في إشارة إلى تصريحات خامنئي، إن “تخوين التظاهرات وربطها بأميركا وإسرائيل والرجعية، خطاب رث قديم لم يعد نافعا ولا مقنعا”.
 
وأضاف عبدالحسين “على الأغلب، حتى صاحب الخطاب نفسه غير مقتنع بما يقول.. لكنه لا يحسن إنشاء خطاب آخر”.
 
واستبعد الكاتب العراقي فاروق يوسف أن تتدخل إيران عسكريا في العراق إذا ما خرجت الأوضاع عن سيطرة الحكومة، لذلك فإنها تهيئ نفسها لاستعمال أدواتها بشكل مباشر، من غير المرور بالقنوات الرسمية وهو ما لا يملك عادل عبدالمهدي الرغبة في التصدي له، كأن يُزج بطريقة مقنعة بالحشد الشعبي في عمليات القمع كما لو أنه جزء من القوات الأمنية.
 
وقال يوسف في تصريح لـ”العرب” إن إشارة خامنئي إلى الـ”المخلصين” قد تكون عبارة عن شيفرة تشير إلى البدء بالانقلاب على الوضع السياسي القائم الذي صار على وشك التفكك بسبب الخلافات التي نشبت بين رموز السلطة داخل البرلمان وخارجه.
 
واستبعد الكاتب العراقي أن يكون مقتدى الصدر هو المستهدف، معتبرا أن تحركه الأخير للإطاحة بحكومة عبدالمهدي هو نوع من حبل النجاة الذي يمده لإنقاذ النظام الطائفي الذي ينادي شباب الاحتجاجات بإسقاطه.
 
وأشار إلى أنه، إذا ما كانت مبادرة الصدر قد ولدت ميتة بسبب تعارضها مع مطالب المتظاهرين فإن “المخلصين” لن يبادروا إلى الشروع في تنفيذ المخطط الإيراني إلا إذا أعلن الصدر عن فشله وهو أمر متوقع في أي لحظة.
 
وعبر يوسف عن اعتقاده بأن الحوار مع المحتجين سيكون صعبا في ظل خلو سلة الحكومة من أي أفكار، تكون مقبولة من قبل المحتجين، معتبرا أن الأمر نفسه يمكن أن يصح على الوضع اللبناني، حيث لا يملك حزب الله سوى أن يبدأ في تنفيذ خطته لقمع المتظاهرين بعد أن أظهرت الحكومة أنها لا تنوي القيام بذلك.
 
ولا يحتاج حزب الله إلى دليل واضح ليفهم أن كل الاحتجاجات موجهة ضده من أجل اقتلاع دولته التي صارت تسير شؤون الدولة اللبنانية. الأمر الهام هنا يتعلق بشعور خامنئي بالخطر فما لم تفعله العقوبات الأميركية صار على وشك الوقوع بسبب الاحتجاجات الشعبية في بغداد وبيروت وهو ما دفعه إلى التصريح علنا بالمخلصين من أدواته وهو تصريح ينطوي إلى تحول في الاستراتيجية الإيرانية للتعامل مع شعبي البلدين.