استبعاد الجهيناوي يبعث بمخاوف من إمكانية حياد تونس عن مبادئها الدبلوماسية القائمة على سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
 
لم يتريث الرئيس التونسي قيس سعيد إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة وتعيين وزيري دفاع وخارجية ينسجمان مع توجهاته وخياراته التي ما زال ينتابها الغموض.
 
وأعلنت رئاسة الحكومة التونسية، الثلاثاء، إعفاء وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي ووزير الخارجية خميس الجهيناوي من منصبيهما بالتشاور مع رئيس الدولة.
 
كما أقيل كاتب الدولة للدبلوماسية الاقتصادية حاتم الفرجاني المحسوب على حزب نداء تونس من مهامه. ويعد ملفا الخارجية والدفاع من صميم صلاحيات الرئيس حسب ما يحدد الدستور التونسي.
 
وجاء قرار الإعفاء بعد جدل رافق تغييب قيس سعيد للجهيناوي عن اللقاء الذي جمعه بوزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الاثنين. وحضر اللقاء الذي يعد أول نشاط دبلوماسي للرئيس سفير تونس بطهران طارق بالطيب الذي من المتوقع أن يتم تعيينه مستشارا دبلوماسيا لقيس سعيد.
 
وربط مراقبون تغييب الجهيناوي عن اللقاء بوجود توتر بين وزير الخارجية المقال والدبلوماسي عبدالرؤوف بالطيب، شقيق طارق، الذي تربطه علاقة قوية ويلازمه في كل تحركاته وتتواتر أنباء عن أنه قد يتولى منصب مدير الديوان الرئاسي.
 
وترددت أنباء عن وجود خلافات بين الجهيناوي وعبدالرؤوف بالطيب الذي يبدو أنه يعترض على سياسات الجهيناوي التي تترجم بحسب مراقبين خطوات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لاستعادة الدبلوماسية التونسية لهويتها القائمة على التوازن.
 
ويبعث استبعاد الجهيناوي من الوزارة بمخاوف من إمكانية حياد تونس عن مبادئها الدبلوماسية القائمة على سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
 
ومنذ توليه السلطة في 2014، حرص الباجي قائد السبسي على إصلاح وضع الدبلوماسية التونسية التي كانت تعيش في عهد الترويكا بقيادة حركة النهضة، أحلك فتراتها حيث كانت العلاقات متوترة مع مصر ومع معظم دول الخليج العربي، كما قطعت تونس علاقتها مع سوريا.
 
وتعمقت تلك المخاوف بعدما دعمت قيادات من حركة النهضة قرار الإعفاء. ورحبت يمينة الزغلامي، القيادية في الحركة بقرار الإعفاء المثير للجدل، حيث قالت في تصريح لها إن “لديها ثقة في قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد، وإن قرار الإعفاء الذي اتخذه صائب دستوريا وقانونيا وسياسيا”.
 
ولم تذكر رئاسة الحكومة أسباب الإعفاء، بينما تداولت وسائل إعلام محلية أخبارا مفادها أن القرار لم يكن إقالة وإنما قبولا لمطالب استقالة قدمها الوزيران.
 
وذكرت مواقع إعلامية محلية أن خميس الجهيناوي قدم، الثلاثاء، استقالته من مهامه كوزير للشؤون الخارجية “لاستحالة مواصلة مهامه وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية”.
 
وبدوره أكد عبدالكريم الزبيدي، أنه تحادث، صباح الثلاثاء، على انفراد مع الرئيس طيلة ساعة وأنه دعاه إلى تفعيل استقالته التي قدمها إلى رئيس الجمهورية المؤقت محمد الناصر يومين بعد تقديم ترشحه للانتخابات الرئاسية.
 
 
وقال الزبيدي، في تصريح لصحيفة الشارع المغاربي المحلية ”أكدت لرئيس الجمهورية أنني أريد تسليم الأمانة وذكرته بأن استقالتي جاهزة منذ 9 أغسطس وموجودة في مكتبه وأنني أريد تفعيلها”.
 
والزبيدي شخصية مستقلة وكان من بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية وتوترت علاقته كثيرا برئيس الحكومة الذي ترشح بدوره للرئاسة خلال الحملة الانتخابية.
 
ويقول مراقبون إن ترحيب النهضة بقرار إعفاء الزبيدي والجهيناوي ليست خطوة بريئة، ولا معزولة عن سياق الترتيبات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، وما رافقها من تصفية حسابات سياسية بالنظر إلى توقيتها الذي حمل رسائل قابلة للتأويل في اتجاهات مُتعددة.
 
وترافق القرار مع حديث مُتصاعد حول وجود صفقة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والرئيس قيس سعيد، ومعهما حركة النهضة الإسلامية، المعنية بتشكيل الحكومة القادمة.
 
ويرى مراقبون أن هذه الصفقة بُنيت على قاعدة تصفية بعض الحسابات السياسية في علاقة بالسجالات التي عرفتها البلاد خلال الانتخابات الماضية، وخاصة منها الرئاسية، ما يعني أن يوسف الشاهد استطاع من خلال هذه الصفقة “الانتقام” من الزبيدي، الذي ترشح ضده، وكال له العديد من الاتهامات التي أثرت على حظوظه الانتخابية.
 
ويقول هؤلاء إن هذه الصفقة تجعل حركة النهضة الإسلامية، مستفيدة من قرار الإقالة باعتبار أن الزبيدي أغلق الباب أمامها، ومنعها من التغلغل في المؤسسة العسكرية، إلى جانب أنه تحدث كثيرا عن ملف الجهاز السري والاغتيالات السياسية بإشارات ضمنية إلى تورط حركة النهضة فيها.