أطلقنا الكثير من التسميات على المظاهرات التي شلّت لبنان منذ 17 تشرين الأول، فساعة نقول عنها حراكاً وساعة انتفاضة وساعة ثورة. ولكن لا يهمّ أبداً الإسم، طالما هذا الوعي اللبناني الجماعي تمكّن خلال 13 يوماً من تحقيق إنجاز غير مسبوق في التاريخ اللبناني الحديث، وهو فرض إرادة الشعب على صنّاع السياسة، ما أدّى في نهاية المطاف إلى استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، فسجّل الشعب هدفاً واحداً في مرمى الطبقة السياسية، وهو ما زال مصرّاً على لعب مباراة ماراتونية وبنفس طويل في وجه خصم ذكي ومحنّك لتسجيل أكبر عدد من الأهداف.

هي ليست لعبة تسجيل أهداف فقط، لأنّ الأهمّ بالنسبة إلى الناس من كلّ المناطق والمذاهب والاتجاهات، كان التفوّق على الانبطاح الطائفي منذ ما قبل بداية الحرب اللبنانية حتى اليوم. الأهمّ كان النهوض من تحت نير التبعية العمياء لزعماء ورؤساء أحزاب وتيارات، وفتح شبّاك الساحات على هواء حريّة اشتاقت الناس إلى ملمسه ورائحته.

الشعب وقف وقال كلمته، تمسّك بمطالبه وأقفل الطرقات لحين الحصول على شيء... فحصل بالأمس على استقالة الحكومة، وهنا بدأت المباراة الحقيقية، مباراة شدّ الحبال والصبر الطويل والحنكة في التعامل مع عقل ميليشيوي يهيمن على غالبية الأحزاب في السلطة.

يمكن أن تستغرق الاستشارات النيابية يومين، وربما أشهراً وحتى سنوات. ويمكن للاستشارات أن لا تروق أسماء وزرائها للشعب المنتفض، أو حتى يمكن للبيان الوزراي أن لا يجاوب على مطالب الشعب، الذي أفنَى أيامه ولياليه تحت الشمس الحارقة والمطر للحصول عليها. سيناريوهات كثيرة يمكن أن تستجدّ في الأيام والأسابيع المقبلة، ولا شكّ في أنّ الشعب يستعدّ لمناورات سياسية وخُزعبلات اعتاد رؤيتها من السلطة. لكن طالما لم تكن النتائج على قدر تطلعات الشعب وإرادته، فلا بدّ أن يستعدّ الشارع لمزيد من المناوشات وربما الصدامات.

 
 

الثورة لم تبدأ بعد، والسلطة لم تر من الشعب اللبناني سوى أعلى مستوى من الرقي والتحضّر في التعبير عن رفضه لقرارات الحكومة وأداء رجال السلطة. وحتى انه بعد إعلان الاستقالة، بدأت جميع الجهات من الشمال إلى الجنوب بالتعبير عن استعدادها لفتح الطرقات التي كانت مقفلة، مع التأكيد على البقاء في الشارع حتى تتحقّق باقي المطالب في بناء دولة تليق بالشعب، ووطن يرقى إلى مستوى حريّة الشعب اللبناني وثقافته.

أطلقنا الكثير من التسميات على المظاهرات التي شلّت لبنان منذ 17 تشرين الأول، فساعة نقول عنها حراكاً وساعة انتفاضة وساعة ثورة. ولكن لا يهمّ أبداً الإسم، طالما هذا الوعي اللبناني الجماعي تمكّن خلال 13 يوماً من تحقيق إنجاز غير مسبوق في التاريخ اللبناني الحديث، وهو فرض إرادة الشعب على صنّاع السياسة، ما أدّى في نهاية المطاف إلى استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، فسجّل الشعب هدفاً واحداً في مرمى الطبقة السياسية، وهو ما زال مصرّاً على لعب مباراة ماراتونية وبنفس طويل في وجه خصم ذكي ومحنّك لتسجيل أكبر عدد من الأهداف.

هي ليست لعبة تسجيل أهداف فقط، لأنّ الأهمّ بالنسبة إلى الناس من كلّ المناطق والمذاهب والاتجاهات، كان التفوّق على الانبطاح الطائفي منذ ما قبل بداية الحرب اللبنانية حتى اليوم. الأهمّ كان النهوض من تحت نير التبعية العمياء لزعماء ورؤساء أحزاب وتيارات، وفتح شبّاك الساحات على هواء حريّة اشتاقت الناس إلى ملمسه ورائحته.

الشعب وقف وقال كلمته، تمسّك بمطالبه وأقفل الطرقات لحين الحصول على شيء... فحصل بالأمس على استقالة الحكومة، وهنا بدأت المباراة الحقيقية، مباراة شدّ الحبال والصبر الطويل والحنكة في التعامل مع عقل ميليشيوي يهيمن على غالبية الأحزاب في السلطة.

يمكن أن تستغرق الاستشارات النيابية يومين، وربما أشهراً وحتى سنوات. ويمكن للاستشارات أن لا تروق أسماء وزرائها للشعب المنتفض، أو حتى يمكن للبيان الوزراي أن لا يجاوب على مطالب الشعب، الذي أفنَى أيامه ولياليه تحت الشمس الحارقة والمطر للحصول عليها. سيناريوهات كثيرة يمكن أن تستجدّ في الأيام والأسابيع المقبلة، ولا شكّ في أنّ الشعب يستعدّ لمناورات سياسية وخُزعبلات اعتاد رؤيتها من السلطة. لكن طالما لم تكن النتائج على قدر تطلعات الشعب وإرادته، فلا بدّ أن يستعدّ الشارع لمزيد من المناوشات وربما الصدامات.

الثورة لم تبدأ بعد، والسلطة لم تر من الشعب اللبناني سوى أعلى مستوى من الرقي والتحضّر في التعبير عن رفضه لقرارات الحكومة وأداء رجال السلطة. وحتى انه بعد إعلان الاستقالة، بدأت جميع الجهات من الشمال إلى الجنوب بالتعبير عن استعدادها لفتح الطرقات التي كانت مقفلة، مع التأكيد على البقاء في الشارع حتى تتحقّق باقي المطالب في بناء دولة تليق بالشعب، ووطن يرقى إلى مستوى حريّة الشعب اللبناني وثقافته.

اللبناني المنتفِض، وطوال أيام مكوثه في الشارع، لم يكن يسعى إلى مضايقة المواطنين ولا إلى ضرب الاقتصاد والتسريع في انهيار لبنان... كلّ ما كان يريده هو ممارسة أكبر قدر من الضغط على السلطة حتى تقدّم تنازلات، هي في الأصل حقوق مشروعة كان الشعب محروماً منها لسنوات طويلة.

ستفتح الطرقات، وسيعود سير العمل إلى طبيعته، على أمل أيضاً أن تدور عجلة الاقتصاد بسلاسة حتى يستعيد لبنان قليلاً من عافيته المالية، ولكنّ الناس ستبقى موجودة في الشارع كما النواطير، تنتظر التلاعب بمطالبها ومستحقّاتها، حتى تعود وتمارس حقّها بالتظاهر الحضاري والمشروع، ولتسمع السلطة صوتها وقرارها وإرادتها، التي لا يمكن تجاهلها بعد اليوم.

هذه لم تكن ثورة، بل كانت مقدّمة للثورة ضد السلطة، لأنّ اللبناني كان حريصاً على حماية الأملاك العامة والخاصة، ويمكن لخطواته المستقبلية أن تكون أكثر تصميماً وإصراراً إذا تم الاستهتار بمطالبه وبقوّة صوته... لكنّ الثورة التي بدأت فعلياً هي ثورة اللبناني على نفسه، ثورته على عقلية وَرثها أو تعلّمها أو غُسل دماغه بها على مدى سنوات.

الثورة الحقيقية كانت في كسر حاجز الصمت، وتدمير حواجز الطائفية، وقطع حبال التبعية، والنهوض بالمجتمع اللبناني إلى مستوى شعب يستحق وطناً وليس مزارع يظل مزروباً فيها.