باختلاف الزمان والمكان والامر الواقع، بنفس الوجوه والاسماء، قدم رئيس الحكومة سعد رفيق الحريري استقالته للمرة الثانية وتحت الضغط لكن باختلاف الضاغط في كل مرة، فقد استقال لأول مرة في بلد الحرمين وتحت التهديد  ربما وحاز يومها تعاطفا شعبيا غير مسبوق حتى من الافرقاء المختلفين مع التيار الازرق سياسيا معتبرين ان ذلك تحدي لا يمكن السكوت عنه واهانة لكرامة وسيادة لبنان ارضا وشعبا، واذ عاد يومها عودة المنتصر المحرر من الاسر تراجع عن الاستقالة التي لم تكن مقبولة حتما كونها خالفت بروتوكول الاستقالة الدستوري وعادت الحياة لطبيعتها بعد ذلك اليوم المشؤوم إلى ان حل العام ٢٠١٩ بظلامه وضرائبه، بفقره وعوزه وكأنها لعنة القدر على الشعب اللبناني من كل الجهات.
 
 ولطالما كان تشرين البارد قد تحول لصيف ملتهب بعد ان اشعل الجبال وان كان ذلك مفتعلا حل بخرابه على الساحات منتفضا ثائرا ولعل ضريبة الواتساب الرمق الاخير في خزان اوكسيجين البلد القابع على حافة الهاوية، واذ سيخلد التاريخ ٢٩ من تشرين الاول الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم الثالث عشر للحراك الشعبي واذ لن ننسى ان هذا اليوم ذاته انقض الشيعة بين مزدوجين كما سيخبر الاجداد احفادهم قصة هذا النهار الطويل بعد انقضاء السنين، انقضوا كالوحش الكاسر على خيم المعتصمين السلميين وهم يهتفون لزعيم المحرومين وسيد المقاومين وأحرقوا الثورة وشعلتها باتت رماد ودمروا ما صنعت الايام المنصرمة قبل محاولات نجحت في اعادة الاعمار الجزئي، وحل الظهر حاملا معه خطاب مختصر او كلمة توجه بها الرئيس مقدما استقالته للثائرين القابعين في الساحات منذ اسبوعين دون كلل او ملل.
 
 وان كانت الاستقالة الأولى بضغط من السعودية فإن الثانية لاجل الانتفاضة الشعبية وبضغط من الشارع الملتهب الذي لن تطفئه استقالة انما هي بداية عرس الديمقراطية.
 
ولعل الدقائق التي تلت كلمة الرئيس المستقيل قبل توجهه الى قصر بعبدا لتقديم استقالته لسيد العهد كانت كفيلة بإعادة سعد إلى الشيخ سعد رفيق الحريري حبيب الملايين السائر على خطى الرفيق الشهيد الذي كان ضمانة لسلامة الوطن وما هي الا ثوان معدودة حتى احتلت عبارات الرئيس العاطفية وكلماته الوطنية وصوره البهية مواقع التواصل الاجتماعي بغض النظر عن التوجه والانتماء واصبح السعد بطلا قوميا ضحى بالمنصب لاجل الوطن مثبتا انه رجل دولة وحبيب الشعب الشاب الوطني صاحب القلب الكبير وان دل ذلك على شيء فهو اقل ما يمكن قوله ان الشعب اللبناني شعبا عاطفيا بامتياز ينجر وراء الكلمات وتسحبه موجة الحب بلحظة واذ ذهبت السكرة واتت الفكرة فإن الاستقالة ليست نهاية بل نهاية البداية في حلم طويل واذ تطول لائحة المطالب من محاسبة لقضاء عادل لتشكيل حكومة تكنوقراط.
 
 ونسأل اليوم على اي اساس ستجري الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة جديدة طالما الطاقم النيابي نفسه فما زال الوضع نفسه لا سيما مع عودة  لشبح الطائفية فعاد ابن طرابلس ليقول ان السعد هو ممثل للسنة في لبنان فيما قطعت الطرق بالاطارات المشتعلة في الشارع الحريري ووقف تجار الازمات يطلبون الهويات ويعطلون حركة التنقل في سبيل الحصول على المال في بعض المناطق مقابل السماح للناس بالمرور.
 
ما قبل استقالة الحكومة ليس كما بعدها، هي أولى انتصارات الشعب وبداية عرسه الديمقراطي وان حصل خلاف بين اهل العروسين ومن هنا فلنكمل الدرب و ليكن هذا النصر فاتحة انتصارات كبيرة في سبيل الوطن الغالي من هنا يتوجب على قادة الحراك أن ينتظموا ويوحدوا الأهداف و يكونوا يدا واحدة لاستكمال ما نزلوا لاجله ، بالفعل الثورة تحتاج للصبر ولنفس طويل وان كان الاتي مجهولا والانهيار الاقتصادي يقف خلف الباب فالأفضل ان تتوحد كل مكونات الوطن لاجل حمايته قبل انقضاء الوقت ودخول الحابل بالنابل وضياع الفرص... في حين تتوجه الانظار الآن لخطاب منتظر لامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله يوم الجمعة وما سيصدر عنه من موقف ازاء هذه المتغيرات وفيما لو كان على علم بما حصل ام لا وموقفه من استقالة كانت ضمن لاءاته وبدا شديد التمسك بها و مع دعوات لفتح الطرق كبادرة حسن نية و ابقاء المصارف والمدارس والجامعات مقفلة ستشرق شمس الايام المقبلة بعدما تلبدت الغيوم كل تلك الايام حتى امطرت اليوم استقالة لنرى ما ستحمله من مستجدات على امل ان يبقى الوطن بخير و ان ننسى للابد عبارة حرب اهلية.