بعد 13 يوما من الاحتجاجات الشعبية التي عمت لبنان مطالبة باستقالة الطبقة السياسية الحاكمة، اعلن الرئيس سعد الحريري استقالة الحكومة تجاوباً مع رغبة الشعب.
يزداد حجم الهوة السحيقة بين الشعب واركان الحكم والتسوية. الناس في هموم مطالبها وتحركاتها، واركان السلطة في البحث عن تسجيل النقاط والمكتسبات على حساب بعضهم البعض. تغرق الطرقات بمستنقعات المياه، لتكمّل ما يقوم به اللبنانيون دون التفات من أحد. إهمال المطالب مقابل الانهماك في كيفية الحفاظ على التسوية بلا أي معالجة جدية او حقيقية للأزمة المستفحلة.
برغم تكتيك الحِراك الشعبي في وسائل الضغط على الائتلاف الحاكِم وصولاً إلى تنفيذه أمس اثنين السيارات الذي جرى خلاله قطْع الطرق الرئيسية بمئات السيارات التي شكّلت جبهة متراصة  بوجه القوى الأمنية وفرضت استمرار الشلل في مختلف القطاعات، إلا أن ما يرْشح عن دوائر قريبة من السلطة وتحديداً فريق الرئيس ميشال عون وحزب الله يعكس أن ثورة مضادة تلوح في الأفق، لاعتباراتٍ سلْطوية داخلية وأخرى إقليمية تتقاطعان لتضعا لبنان في حالة كباش وقطوع قد يكونا الأخطر منذ أعوام.
وفي الاسبوع الثاني على الانتفاضة الشعبية في لبنان، تزداد المخاوفُ من مؤشراتٍ متشابكةٍ تنذر بأن الأرضَ تغلي تحت أقدام الجميع، وسط ملامح غبارٍ سبّاق يُخشى أن يكون مقدّمةً لانزلاقٍ نحو المواجهةِ بين أطراف في السلطة وبين الانتفاضة من خلف ظهْر المحاولات المضنية للخروج من المأزق الكبير الذي دخلتْه البلاد منذ 17 ت1 الجاري. وفي حين ضعفت نهاراً مشهديةُ الساحاتِ بفعل الأمطار الغزيرة ومن ضمن ما يشبه تنويع جرعات الانتفاضة وتَفادي تنويمها، شخصتْ الأنظار على الجانب السياسي من المعالجات كما المُراكمة الإعلامية والميدانية لفريق السلطة تحت سقف مضبطة الاتهام التي حوصر بها الحِراك وأعطى حزب الله إشارتها الأولى ولاقاه فيها فريق عون.
وفي هذا الإطار بدا واضحاً أن الهدف الرقم واحد للتظاهرات المتمثّل في إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل أخرى غير سياسية من اختصاصيين يصطدم بـ حائط صدّ شكّله رئيس الجمهورية وحزب الله أمام أي تعديلٍ أو تغيير يكون من أثمانه إخراج رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل من الحكومة، لأن ذلك سيعكس بالنسبة إليهما تَفَلّت الواقع الداخلي من يد الحزب وخسارة مزدوجة لعون عبر إنهاء عهده باكراً وضرْب حظوظ صهره باسيل لخلافته.
 
 
ولم يعد سراً أن تحالفَ حزب الله وفريق عون أقفل الباب أمام أي مخارج من شأنها تجنيب البلاد خيارات صعبة قد تفْضي إلى المجهول في ظل شبح الانهيار المالي الاقتصادي الذي يقْرع الأبواب، إذ توالى إسقاطُ صيغ التعديل الوزاري والتغيير الحكومي بسبب الرفض الحاسم لـ التضحية بالوزير باسيل الذي تردّد اسمه في الساحات كرمزٍ لفشل السياسات التي اعتُمدت منذ التسوية التي جاءت بالعماد عون رئيساً.
وتقاطعتْ المعلومات في هذا السياق، عند مجموعة من الوقائع المتدرّجة التي جعلتْ من باسيل القفل والمفتاح في أي مبادرة لإعادة النظر في الواقع الحكومي استجابةً لمطلب الثورة وتلافياً للفوضى عبر ترْك الناس في الشارع والرهان على انهاكهم، وأبرزها:
 تَدارُك حزب الله لـ ليونة أبداها عون للوهلة الأولى بدخوله القوي على الخط ومنْع مطلب تسليم رأس باسيل عبر إقناع رئيس الجمهورية بأنه سيكون أي عون الهدف التالي للانتفاضة، إذ لم يرُق للحزب رؤية انهيار تركيبةٍ عون  باسيل التي استثمر فيها طويلاً، وشكّلت ذراعه المسيحية في الداخل وتبنّت خياراته في الاقليم.
انتقال تحالف عون حزب الله في هجومه لحماية باسيل ورفْض أي تغيير حكومي، إلى ربْط أي خروج للأخير من ضمن الصيغ المطروحة لحكومةٍ بديلة بخروج الرئيس سعد الحريري نفسه من السرايا، وهو ما نُسب إلى عون في قوله للحريري انت كباسيل رئيس تيار سياسي، وحكومة من دون جبران يعني حكومة من دونك، وما نُقل عن حزب الله من أن باسيل يوازي بمكانته كرئيس للكتلة الحاكِمة الحريري في إشارة إلى أنهما يبقيان معاً أو يخرجان معاً، وسط كلام عن محاولاتٍ من تحالف عون  الحزب لفرْض معايير في أي حكومة جديدة تفضي عملياً إلى إقصاء الحريري، وذلك في إطار السعي لقطْع الطريق على أي سيناريوات خارج ترميم الحكومة الحالية بتعيين بدلاء لوزراء القوات اللبنانية الأربعة.
وفي موازاة ذلك، مضى فريق عون وحزب الله في شيْطنة الانتفاضة ووضْعها في سياق مؤامرة خارجية، في ظلّ اندفاعة على خطيْن تنبئ بأن وقت التصدي للثورة وهذا ما حصل بالفعل ظهر هذا اليوم، وفي هذا السياق، يرتفع منسوب الترقب لكيفية ترجمة تحالف التيار الحر حزب الله الرغبة الكبيرة بفتْح الطرق وانتزاع سلاح الضغط الأقوى من يد الانتفاضة، وسط ملاحظة أن هذا التحالف يصرّ على اعتبار انهاء قفل الطرق مدخلاً لأي إعادة نظر في الواقع الحكومي إلى جانب تشكيل وفد من المتظاهرين لمحاورة العهد. سياسة اللامبالاة ذاتها تحصل مع الشعب اللبناني المقيم في الطرقات منذ 12 يوماً، فتستمر المناورات في تحميله مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي. فتحميل المسؤولية للناس فيه تجاف وخروج على المنطق والواقع. ويدل على أن لا حلّ في ظل التركيبة القائمة، والتي لا تراهن على غير التعجرف والمكابرة، وعلى عدم تقديم أي تنازل، في سبيل البلاد والعباد.
تلك المكابرة تتجلى في ان حساباتهم مختلفة، هدفهم السلطة والبقاء فيها والتحكم برقاب العباد، وتصفية حسابات مع من يعتبرونهم خصومهم في طموحاتهم الرئاسية المقبلة. يريدون توريط الجيش، واحراق حاكم المصرف، ولو اقتضى ذلك احراق لبنان بأسره واغراق اقتصاده بالانهيار تلو الانهيار. لكنهم لا يعلمون أنهم بذلك يكتبون نهاية مأسوية لطموحاتهم. منذ مدة طويلة، والأزمة الاقتصادية قائمة، بلا اي محاولات جدية لمعالجتها .حمى الله لبنان وشعبه .