ربما كان على الرئيس سعد الحريري أن يشكر مُبتكِر ضريبة «الواتساب» الوزير محمد شقير، فالانتفاضة الشعبية التي اشتعلت كبرميل بارود لم تُصبه بالأضرار التي كان متوقّعاً أن تصيبه. صحيح أنه نال الكثير منها، لكنه، بموازاة ما أصاب عهد الرئيس ميشال عون و«حزب الله»، ما زال قادراً على التفلّت من الانتحار السياسي، خصوصاً إذا ما قرّر، حتى في توقيت متأخّر، أن يترك عون و«حزب الله» وحيدين في مواجهة الشارع.
 

يتمهّل الحريري في اتخاذ قرار الاستقالة وهو يلعب على حافّتها، ويتطلّع الى الشارع الثائر بعين القلق، ولكن بالقدرة على الاستثمار. فالضغط الهائل يصبّ على «حزب الله»، الذي لم يجد بدّاً من القفز الى موقع القيادة لمحاولة إجهاض الانتفاضة، بعدما بَدا أنّ من شَكّل منهم سلطته، أصبحوا، بفِعل حركة الشارع، نموراً بلا أنياب. فكانت الاطلالات المتكرّرة للسيد حسن نصرالله الذي «شَيطَن» الانتفاضة، بالتوازي مع عمل ميداني على الارض، لتخريبها، حتى ولو كلّف ذلك بداية الطلاق بينه وبين بيئته في الطائفة الشيعية وخارجها.

ما هي حسابات رئيس الحكومة؟ كيف يدير الأزمة؟ وما هي توقعاته؟ وهل يستقيل أم يقبل البقاء على رأس هذه الحكومة، بعد تعديل يملأ فراغ استقالة وزراء «القوات اللبنانية»؟

تقول المعلومات إنّ الحريري قدّم الى الرئيس عون عرضين، أوّلهما الاستقالة من دون الاتفاق على تشكيل حكومة، على أن يُصار الى البحث في تشكيلها لاحقاً.

والثاني الاستقالة بعد الاتفاق المُسبق على حكومة تكنوقراط، تولد مباشرة بعد الاستقالة، وتُحدث صدمة إيجابية تؤدي الى تخفيف غضب الشارع. لكنّ العرضين رفضهما عون، لإصراره على أن يكون الوزير جبران باسيل وزيراً في أي حكومة ستتشكّل. وهذا الأمر، على ما يبدو، لا يستطيع الحريري تحمّله، باعتبار انّ وجود باسيل صار عقبة في تشكيل أي حكومة.

 
 

في اللعب على حافة الاستقالة، أبلغ الحريري الى عون أنه لا يتحمل سقوط أي نقطة دم في الشارع، وإن حصل ذلك فإنه لن يبقى ثانية واحدة في موقعه. وحين حصلت حادثة البداوي، كاد أن يقدم استقالته، لكنه تراجع في اللحظة الاخيرة مُفضّلاً تجاوز الحادثة المُلتَبسة، والانتظار عسى أن يغيّر الشارع تَصلّب «حزب الله» والرئيس عون، فيقبلان ما يرفضانه الآن، بفِعل اتجاه البلد الى الفوضى المالية وربما الأمنية الشاملة.

يتعامل الحريري، الى الآن، مع الشارع الغاضب باعتباره الداعم الاول له، لمحاولة نَيل مكاسب من «حزب الله» في الحكومة الجديدة. ويتوقّع المقربون منه أن يتراجع الحزب عن التمسّك بباسيل، وأن يعطي الضوء الأخضر لتشكيل حكومة تكنوقراط. هذا التفاؤل لم يجد في اليومين الماضيين أي مُستند واقعي، فـ«حزب الله» ماض في وضع خطط إجهاض التحرّك الشعبي، كما أنّ تمسّكه بباسيل صار مسألة حياة عهد أو موته، وبعبارة أخرى بات مسألة خسارة ورقة كبرى هي ورقة «التيار الوطني الحر»، الذي استثمَر فيه الحزب منذ عام 2005 الى اليوم، وهو بالتالي غير مستعد للتفريط بهذه الورقة. وبما أنّ باسيل صار يمثّل هذا التيار حتى أكثر من العماد عون، فالحزب عازم على وضع خط أحمر يمنع الاقتراب منه، لأنّ إخراجه سيعني اهتزاز رئاسته للتيار، واهتزاز موقعه ونفوذه، وبالتالي اهتزاز الورقة الثمينة التي هي جزء من دولة «حزب الله» وسلطته المركّبة.

والسؤال: ماذا سيفعل الحريري إذا سقطت توقعاته بأن يتراجع «حزب الله» عن رفض حكومة التكنوقراط؟ المعلومات تقول إنّ الحريري أعطى نفسه فرصة 48 ساعة لكي يحسم أمره، وهو لم يفعل مُسبقاً، كما أعلن النائب السابق مصطفى علوش، الذي خلافاً لِما نُشِر، زار بيت الوسط، لكنه لم يلتقِ الحريري، فاجتهد في إعلانه مهلة الـ48 ساعة للاستقالة.

من اليوم وحتى نهاية الشهر سيكون الحريري أمام امتحان إعلان موقفه، خصوصاً إذا ما تبيّن أنّ الشارع لم يتعب، ولم يُنهك بالتهديدات والتحرّشات، أو بالأحداث الامنية المُفبركة. فكيف ستنتهي لعبة حافّة الاستقالة، بعد 12 يوماً على بدء انتفاضة استثنائية في تاريخ لبنان؟

أما في حال دعا الحريري إلى جلسة للحكومة بعد غد الخميس، فيكون قد سلّم بالأمر الواقع الذي فرضه «حزب الله» بأن لا إستقالة ولا تشكيل لحكومة جديدة.