في مثل هذه اللحظات العصيبة التي تمرّ على لبنان، وحيث لا يعود سهلاً تمييز الحق الذي يشوبه الباطل عن الباطل الذي يلبس لبوس الحق، وحيث الناس تحت تأثير الغضب المشروع لا تريد سماع المواقف المشروطة لنعم ولكن، أو لا ولكن، وتظن أنّ هناك أبيض وأسود فقط، ويصير السؤال، هل أنت مع الشعب، يهدف فقط لسماع نعم، ليأتي بسؤالٍ لاحق والشعب يقول كلمته فانضبطوا بها، و»كلن يعني كلن»، هنا يصير التمسّك بالأخلاق لمن ليس لديه ما يخشاه، لأنّه واثق الخطى ومرتاح الضمير، وتصيرالعودة للثوابت طريق الحق المستقيم، وهما وحدهما ما يصلح للساعة أكثر من الجدل العقيم والسجالات العصبية.

ما أعرفه بصدق وأؤمن به، أنّ في لبنان وعلى رأس الدولة اليوم، رجلاً لا تساورني لحظة أي شكوك أو اسئلة حول وطنيته وإستعداده للتضحية، ولا حول درجة صدقه وإيمانه بوطنه وشعبه، ولا شائبة او شكوك حول صدق نظرته للمناصب كخدمة عامة، هو العماد ميشال عون، الذي اعرف أنّ تاريخه الذي قد يختلف حوله اللبنانيون في السياسة، لكنهم لا يستطيعون إلّا الإجماع على قراءة موحّدة لمحرّك هذا التاريخ، وهو حقيقة كونه فضّل المنفى على قبول رئاسة الجمهورية المشروطة بمخالفة القناعات في عصر ذهبي سياسياً وإقتصادياً بدرجة الإجماع الدولي والإقليمي حوله وفي أيام الوفرة، فلماذا علينا أن نصدّق أنّه سيقايض قناعاته اليوم تمسّكاً بالمنصب، وفي ظروف شديدة السوء سياسياً وإقتصادياً بدرجة التجاذبات والضغوط الدولية والإقليمية التي نعيشها كل يوم مع ايام الشح؟

الأخلاق هي التي يجب أن تحكم أمثالي اليوم، ومعها رفض المساومة على الحقائق الثابتة، وفي طليعتها أنّ ما يتعرّض له رئيس الجمهورية منافٍ للأخلاق ومعاكس للإنصاف وإفتراء على الحق. والحقيقة الصحيحة الوحيدة هي أنّ الرئيس قد ورث تراكماً إفتصادياً صعباً، وتعقيداً سياسياً إستثنائياً داخلياً وخارجياً، وفساداً مستشرياً، ويمكن أن يُلام إذا لم يستطع أن يحقق كل الأحلام والتطلعات. ومن المشروع التداول، فيما لو كان بمستطاعه سلوك طرق أكثر تحقيقاً لهذه الأحلام. لكن هذا شيء وتوجيه الإتهام شيء آخر، فيما غيره من الذين يجدون ألف شفاعة وشفاعة هم من يجب أن يُسألوا بجرأة ماذا فعلوا ببلدنا، ببيئته وإقتصاده وأموال شعبه؟

كلنا يعلم طبيعة النظام الدستوري الذي يحكم لبنان، والطابع التوافقي للحكم وحدود صلاحيات رئيس الجمهورية، وكيف انّه بالرغم من وجود كتلة نيابية كبيرة وكتلة وزارية وازنة إلى جانبه، فإنّهما لا تمنحانه غير قدرة الرفض وليس فرض القبول. ولأنني كنت منذ البداية ولا أزال مؤمناً بإصطفاف الحياة السياسية على اساس موالاة تحكم بأغلبية نسبية، ومعارضة تعارض بأقلية وازنة، كي تستقيم الديمقراطية، من المهم أن أذكر بأنّ «حكومة كلن يعني كلن» تحت شعار ضرورة تمثيل كل القوى الكبرى في كل الطوائف، هي الأصل في كل بلاء، وليس القول للإستنتاج أنّ اللجوء لحل على القاعدة الديمقراطية ممكن اليوم، بل لتسجيل كلمة حق واجبة تلازم الحق الذي أؤمن، انّ الأخلاق وحدها توجب قوله اليوم، لإنصاف رجل عظيم من بلادي يتعرّض للظلم هو الرئيس ميشال عون. اللهم أشهد اني بلّغت، ولا اطلب لا جزاءً ولا شكوراً، في زمن صار التخلّي والتنكّر، هما طريق الكسب الذي يسلكه البعض ويفكر بعض آخر بسلوكه.