كشفت الانتفاضة الشعبية قناع «حزب الله» في يومين، وفي 10 أيام كان كل المشهد واضحاً، الى درجة أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» لم يَجهد في الاختفاء خلف الدولة بكل مواقعها الدستورية، من بعبدا الى السراي وساحة النجمة.
 

بَدا نصرالله حارس هيكل منظومة السلطة، وفق معادلة: الرئاسة رئاستي، والحكومة حكومتي، والمجلس مجلسي، أمّا الشارع فهو الآن خصمي الذي يجب إجهاضه.

فبعدما فشلت واجهة السلطة في استيعاب صدمة الانتفاضة، واحتوائها، أصبحت مهمة «حزب الله» حماية الرئاسة والحكومة والمجلس، بالأدوات المباشرة والواضحة، وهو ما تجلّى في إنزال فرقة المشاغبين «غبّ الطلب» لإجهاض اعتصام رياض الصلح، بذريعة أنّ نصرالله يتعرّض للشتائم، علماً أنّه كان قد أبدى تسامحاً تجاه من يشتمه شخصياً، لكنّ الذريعة كانت أوضح من إعطاء تفسيرات أخرى لها، فالمطلوب فَضّ الاعتصام وإجهاضه بأيّ ثمن.

وفي خطته لإجهاض الانتفاضة إنتقل «حزب الله» من مرحلة الى مرحلة، ولا بد من أن تكون المرحلة المقبلة أكثر قسوة. فمن تحذير الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط من الاستقالة، الذي فعل فِعله حتى الآن، الى تعهّد وقف الاعتصام لشركائه في السلطة، الى خطوات أخرى متوقعة، يكون الحزب قد حدّد موقعه وخصوماته وأصدقائه.

ومع أنّ الرئيس الحريري لم يقفل الباب أمام استقالته، فإنّ جنبلاط كاد ان يقدّم استقالة وزيريه من المختارة، ثم عاد وألغى القرار لعدة أسباب داخلية وخارجية، لكنّ قراره ما زال قائماً وبقوة، ومخطئ من يظن انّ جنبلاط لم يتعرض لضغوط تجاوزت التهديدات السياسية، لتصل الى إحياء شبح 7 أيار جديد.


وبموازاة اتهام السيد نصرالله للسفارات ولدول أجنبية بتحريك الحراك الشعبي، كان لافتاً أنّ جرعة الاستمرار التي أعطيت للحريري وجنبلاط للاستمرار في الحكومة، كانت جرعة مزدوجة أميركية وفرنسية. ففي حال الاستقالة، يخشى الأميركيون من فوضى كبيرة ستكون في النهاية لمصلحة «حزب الله».

والأميركيون أيضاً حاولوا ثَني رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عن استقالة وزرائه، إلّا أنه أصرّ عليها، لعدم قدرة وزراء «القوات» على البقاء داخل الحكومة وتحمّل أوزارها. أمّا الفرنسيون، الذين شكلوا خلية أزمة في الاليزيه، تضم شخصيات لبنانية، فيضيفون الى الاسباب الاميركية في عدم تشجيع الاستقالة، سبباً إضافياً وهو أنّ هذه الاستقالة ستؤدي الى انهيار اقتصادي كامل، وستكون رصاصة رحمة تُطلق على مؤتمر «سيدر» الذي يشكّل الفرصة الاخيرة لإنقاذ الاقتصاد.

لهذه الاسباب بَدا «حزب الله»، في تَصدّره مواجهة الانتفاضة، أكبر المتضررين من دون أن يكون المتضرر الوحيد. والاسباب لا تعود الى التمسّك بالرئاسة والحكومة والمجلس فحسب، بل مردّها الى الخشية الكبيرة من النموذج العراقي الذي انتقل الى البيئة الشيعية في لبنان، وهذا أكثر ما يُقلق الحزب، الذي يعتبر أنّ أحد أبرز عناصر قوّته يكمن في إقفال الطائفة الشيعية أمام أي اعتراض، فضلاً عن إقفال الساحة اللبنانية أمام الاعتراض العابر للطوائف والمناطق، الذي يسقط معادلة يستفيد منها «حزب الله» في ترسيخ دولته ونفوذه.

لن يتردد «حزب الله» في استعمال الوسائل كافة لحماية المنظومة السياسية التي سعى لبنائها منذ عام 2005 والى اليوم، مروراً بكل المحطات التي شهدها لبنان، من استقالة وزرائه في حكومة السنيورة، الى السابع من أيار، الى إسقاط حكومة الحريري، فالفراغ الرئاسي، وصولاً الى استتباب الأمر على تركيب سلطة مستقرة، بدأت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً وبمشاركة الرئيس سعد الحريري في التسوية، التي يبدو انّ الحزب سيضع كل ثقله لمنعها من الاهتزاز. ولهذا، فإنّ الايام المقبلة سوف تحمل الكثير من التطورات الدراماتيكية، لأنّ الحزب قرّر أن لا إمكانية لاستمرار الدينامية الشعبية، لأنها ستجرف التسوية بكل مفاعيلها.