المتظاهرون العراقيون يتحدون السيستاني ويحرقون مقرات الحكومة والأحزاب والميليشيات.
 
 تسير إيران نحو خسارة أهم مراكز نفوذها في المنطقة تحت وقع الانتفاضات الشعبية، ففي لبنان تتجه رهانات أمين عام حزب الله حسن نصرالله في تحويل البلد إلى ورقة تفاوض إيرانية مع إسرائيل والولايات المتحدة نحو سقوط مدو بسبب موجة احتجاج واسعة تتمسك بإسقاط النظام الطائفي والمستفيدين منه وبناء دولة مدنية.
 
وفي العراق، فشلت إلى الآن محاولات احتواء الغضب الشعبي، الذي يظهر أكثر حماسا وقوة بعد كل مرة تعتقد الأحزاب الحليفة لإيران أنها أخمدته واحتوت الفاعلين بداخله من خلال الوعود والتغييرات الشكلية على قائمة المستفيدين من الحكم الطائفي الذي تم فرضه بعد غزو 2003.
 
وعاد الشارع العراقي الجمعة إلى الاحتجاج وتحدي رموز الحكم الموالين لإيران من خلال حرق مقرات الحكومة والأحزاب والميليشيات، وتحدي وصاية المرجعية الدينية ورغبتها في إفراغ الحماس الشعبي للتغيير عبر حلول جزئية أو تقديم كباش فداء دون المس من جوهر النظام الطائفي.
 
وبالرغم من عدد الضحايا الكبير الذي تورطت الحكومة العراقية مجددا في إيقاعه بين صفوف المتظاهرين، الجمعة، إلا أن موقف المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، كان مفاجئا، إذ انتصر إلى السلطات على نحو غير مباشر.
 
وتجددت في بغداد وعدد من المحافظات العراقية، مساء الجمعة، الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام السياسي في البلاد، فيما ردت السلطات بقمع كبير، خاصة مع لجوء الميليشيات إلى فتح النار على المتظاهرين، ما أودى بـ21 قتيلا ومئات الجرحى حتى موعد إرسال الصحيفة إلى الطباعة.
 
 
ووجدت حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في موقف السيستاني منقذا لها، إلى درجة أنها أعادت إذاعته عبر مكبرات الصوت على المحتجين في ساحات بغداد، لإقناعهم بالعودة إلى منازلهم، في دلالة واضحة على أن المتظاهرين كانوا يترقبون موقفا مغايرا من المرجعية.
 
وقال السيستاني في كلمة، تلاها بالنيابة عنه ممثله في كربلاء إنه “في هذه الأوقات الحساسة من تاريخ العراق العزيز حيث تتجدد التظاهرات الشعبية في بغداد وعدد من المحافظات، ندعو أحبّتنا المتظاهرين وأعزّتنا في القوات الأمنية إلى الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها إلى استخدام العنف وأعمال الشغب والتخريب”.
 
وبدا أن السيستاني أراد أن يكون عادلا بين المتظاهرين ورجال الأمن، عندما حذر كليهما من الاعتداء على الآخر، وهو ما وصفه مراقبون في بغداد بأنه محاولة للإمساك بالعصا من الوسط.
 
وقال إن “الاعتداء على عناصر الأمن برميهم بالأحجار أو القناني الحارقة أو غيرها والإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بالحرق والنهب والتخريب مما لا مسوّغ  له شرعا ولا قانونا ويتنافى مع سلمية التظاهرات ويبعّد المتظاهرين عن تحقيق مطالبهم المشروعة ويعرّض الفاعلين للمحاسبة”، فيما ذكّر “القوات الأمنية بأن التظاهر السلمي بما لا يخلّ بالنظام العام حق كفله الدستور للمواطنين، فعليهم أن يوفّروا الحماية الكاملة للمتظاهرين في الساحات والشوارع المخصصة لحضورهم، ويتفادوا الانجرار إلى الاصطدام بهم، بل يتحلّوا بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل معهم”.
 
وألمح السيستاني إلى أن التظاهرات يمكن أن تكون بوابة للفوضى في البلاد، إذا ما أسقطت النظام وسط صراع محتدم بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة.
 
 
وقال إن “تأكيد المرجعية الدينية على ضرورة أن تكون التظاهرات الاحتجاجية سلمية خالية من العنف لا ينطلق فقط من اهتمامها بإبعاد الأذى عن أبنائها المتظاهرين والعناصر الأمنية، بل ينطلق أيضا من حرصها البالغ على مستقبل هذا البلد الذي يعاني من تعقيدات كثيرة يخشى معها من أن ينزلق بالعنف والعنف المقابل إلى الفوضى والخراب، ويفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي”.
 
واستعرض السيستاني سلسلة من الإجراءات التي يمكن للحكومة اتخاذها لتهدئة المحتجين، تحت لافتة “الإصلاح”، الأمر الذي فسر على أنه دعم صريح لاستمرار النظام السياسي القائم، الذي يطالب المحتجون بإسقاطه.
 
كما ترك السيستاني للحكومة خيار إعادة التحقيق الهزيل الذي أجرته لكشف ملابسات مقتل وجرح نحو سبعة آلاف شخص شاركوا في الاحتجاجات التي انطلقت مطلع الشهر.
 
وقال إن “التقرير المنشور عن نتائج التحقيق في ما شهدته التظاهرات السابقة من إراقة للدماء وتخريب الممتلكات لم يحقق الهدف المترقّب منه ولم يكشف عن جميع الحقائق والوقائع بصورة واضحة للرأي العام فمن المهم الآن أن تتشكل هيئة قضائية مستقلة لمتابعة هذا الموضوع وإعلام الجمهور بنتائج تحقيقها بكل مهنية وشفافية”.
 
وبرغم الإحباط الذي تسبب به خطاب السيستاني في صفوف المتظاهرين، وتأثيره المؤقت على العديد منهم، إلا أن الاحتجاجات سرعان ما استعادت زخمها في بغداد ومدن الوسط والجنوب.
 
وسجلت ساحة التحرير وسط بغداد حضورا كبيرا مع ساعات المساء الأولى، فيما حاول المتظاهرون الوصول إلى المنطقة الخضراء نحو خمس مرات.
 
وفي مدن الوسط والجنوب اندلعت النيران بالتزامن في مقرات حركة عصائب أهل الحق وسرايا الخرساني وتيار الحكمة ومنظمة بدر وحزب الدعوة وتيار الإصلاح ومكتب مفوضية الانتخابات في السماوة، ومبنى مجلس المحافظة ومبنى مؤسسة السجناء السياسيين في ذي قار وحركة البشائر في الكوت، فيما تصادمت حركة عصائب أهل الحق مع المحتجين في مدينة العمارة، لدى توجههم نحو مقرها.
 
وفي البصرة، بدأت التظاهرات هادئة جدا، قبل أن تتطور عند مبنى المحافظة الذي فتحته السلطات الأمنية أول الأمر أمام المحتجين، لتعود لاحقا وتطلق قنابل الغاز المسيل للدموع موقعة العديد من المصابين.
 
وأشعل المحتجون النيران في مقر حزب تيار الحكمة وجماعة عصائب أهل الحق في وسط مدينة السماوة. وحاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع.
 
وقال مصدر أمني في قيادة شرطة واسط جنوبي العراق، الجمعة، إن متظاهرين اقتحموا مبنى المحافظة ومجلسها وسط مدينة الكوت، وأضرموا النيران في 5 مقار لأحزاب ولأعضاء بالبرلمان والحشد الشعبي.
 
وأوضح المصدر أن “المتظاهرين اقتحموا مبنى المحافظة ومجلسها، وعلقوا صور شهداء الاحتجاجات على المبنيين دون إضرام النيران فيهما”.
 
وتابع أن “المتظاهرين أضرموا النيران في مقر حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه نوري المالكي، ومقر حركة البشائر السياسية، ومكتب النائبيْن في البرلمان كاظم الصيادي وأيناس المكصوصي، ومقر سرايا الخراساني التابعة للحشد الشعبي”.
 
وفي محافظة البصرة جنوبي البلاد، أغلقت قوات الأمن مجددا منفذ سفوان البري مع الكويت، بعد إغلاق الطريق الرئيس المؤدي إليه من قبل المتظاهرين.