ما جاع فقيرٌ إلا بما مُتِّع به غنيٌّ، وما رأيتُ نعمةً موفورة إلاَّ وإلى جانبها حقٌ مضيع
 

"اضرب بطرفك حيث شئت من الناس، هل تُبصر إلاَّ فقيراً يُكابدُ فقراً، أو غنياً بدَّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتخذ البُخل بحق الله وفْراً، أين خياركم وصلحاؤكم وأحراركم وسمحاؤكم، وأين المتورعون في مكاسبهم، والمتنزَّهون في مذاهبهم.."

رويدك.! هذا الكلام لإمام العدل والإنسان، لإمامٍ قال لكم يوماً: إنَّ إمرتكم عندي لا تساوي عفطة عنزة، لإمامٍ قال لكم يوماً: إنَّ الله فرض على أئمة العدل أن يُقدِّروا أنفسهم بضعفة الخلق، ذاك الإمام الذي زهد عن متاع الدنيا والسلطة وطيباتها وشهواتها، لا رغبةً منه، بل احتجاجاً على من إستأثر بها، واحتكرها لنفسه، أراد أن تكون الحياة وخيراتها للمجتمع بأكمله ولكل إنسان وإن كان كافراً وملحداً، أرادها حياةً إجتماعية كافة، لا حياة فردية شخصية احتكارية، أرادها ليزيل كل الفوارق والإمتيازات ليعش المجتمع والإنسان في أمنٍ وسلام، فلا تكالب ولا تطاحن على لقمة الفقراء يا أصحاب العمائم من الذين تعتاشون على لقمة الناس والفقراء، والسلطة والوظيفة، ـ من للتبعيض ـ ، وتدعون أنكم من أتباع أمير المؤمنين (ع)، هذا أميركم باع كل ما يملك في سبيل الفقراء وأطعم الفقير والمسكين واليتيم والأسير والجائع، ولم يداهن في دين الله، وهيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيُّر الأطعمة، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص، ولا عهد له بالشبع، أأقنع بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر، ومكاره الدهر الفقر والرغيف وعدم المساواة والرقص على وجع الناس وحاجاتهم، أيها الناعمون بالعيش والترف، والمدلَّلون بالوجاهة المُزيفة، الساكتون على أوجاع الناس والفقراء والمحتاجين، الجريؤون على احتقار البسطاء والفقراء، لأنكم لم ترو أسمائهم منقوشة بأجمل الألوان والمكاسب، هذا أميركم علي (ع) مدَّ يده لمساعدة الفلاحين والعاملين والكادحين، مدَّ يده إلى تلك العيون الباكيات ومسحها بعدله ورحمته، وإلى تلك الأمهات البائسات الجالسات في الطرقات وحول إسرَّة أبنائهن المرضى، وقد خفقت قلوبهن وحارت أبصارهن مخافة الوجع والثكل، هذا أمير العدل قالها ومشى: أن تكونوا عندي في الحقِّ سواء، ورددها : ما جاع فقيرٌ إلا بما مُتِّع به غنيٌّ، وما رأيتُ نعمةً موفورة إلاَّ وإلى جانبها حقٌ مضيع، ونادى بأعلى صوته: لكلِّ ذي رمق قوتٌ، ولكلِّ حبَّةٍ آكل، ولكلِّ كبدٍ حرَّةز

 رحم الله من أطفأ الأكباد الحرَّة، وقال لكم: أشقى الرعاة من شقيت به رعيته، وكيف لا يكون عند أمير المؤمنين (ع) من أنَّ رفع الحاجة عن الناس من أوجب الواجبات على المتشرع والحاكم، وحقاً أساسياً من حقوق الناس، ومن أبرزها الوقوف في وجه الذي يستهين بكرامة الشعب، فوقف عليٌّ (ع) وهو الحاكم المطلق قائلاً لهم: تأمَّلوا في حال تشتُّتهم وتفرُّقهم، لياليَ كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم يجتازونهم، عن ريف الآفاق، وبحر العراق، وخضرة الدنيا..

قبل الختام أقول للذين يزندقوننا ويشتموننا، هذا الكلام هو لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، إمعنوا في أهل البيت (ع) والإمام علي (ع) تدركون هذه الدساتير والأصول العميقة في بناء الإنسان والمجتمع والإنسانية، التي تحفظ الكرامات والحقوق والمساواة، وتراعى فيها الحرية بأروع معانيها في الحياة...

إنحنوا أمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام...