مجمل الاحتمالات مقعدة سواء لغانتس أو لنتنياهو، وفق معادلات الكنيست الحالية، ولاسيما أنّ كلا من الطرفين يرفض الاعتماد على التمثيل العربي في الكنيست، لأن ذلك سيستثمره الحزب الأخر في معارضته، وضرب صدقيته.
 

للمرة الثانية لم يفلح بنيامين نتنياهو، رئيس حزب ليكود في مساعيه تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، الأمر الذي دفع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين رفلين إلى نقل التكليف إلى منافسه الصاعد، الجنرال السابق بيني غانتس، رئيس حزب أزرق أبيض (33 مقعدا)، الذي يمكن أن يضع حدا لمسيرة نتنياهو السياسية، في حال أفلح في ذلك.

إلا أن الحديث عن إمكان نجاح غانتس في إزاحة نتنياهو شيء، ونجاحه هو ذاته في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة شيء آخر، علما أن حزب غانتس، أزرق أبيض، حصل على 33 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، المكوَّن من 120 مقعداً، في الانتخابات التي جرت أواسط سبتمبر الماضي، إلا أنه رغم حصوله على مقاعد أكثر من ليكود بمقعد واحد لم يتم تكليفه بتشكيل الحكومة أولاً، نظرا إلى أن نتنياهو لديه فرصة أكبر، بحكم أنه يستطيع جمع أصوات أكثر من أعضاء الكنيست، من الأحزاب أو الكتل السياسية اليمينية والدينية (ليكود 32، حزب شاس للمتدينين الشرقيين 9 مقاعد، يهوديت هاتوراه للمتدينين الغربيين 7 مقاعد، “يميناه” القومي المتشدد7 مقاعد، بمجموع قدره، 55 عضو كنيست). بيد أن ذلك لم ينجح لأنه لم يستطيع تأمين النصف + واحد، لذا اعتذر نتنياهو عن التكليف.

ويجدر التذكير هنا بأن فشل نتنياهو يعود لسبب بسيط مفاده أن حزب “إسرائيل بيتنا” (لليهود الروس من المهاجرين الجدد) بزعامة أفيغدور ليبرمان (8 مقاعد) يضع فيتو على المشاركة في حكومة تتواجد فيها الأحزاب الدينية (شاس مع 9 مقاعد، ويهوديت هاتوراه مع 7 مقاعد). وكان ليبرمان هو الذي تسبب في ذهاب إسرائيل نحو انتخابات مبكّرة في أبريل الماضي، كما تسبب قبل أشهر بفشل محاولة نتنياهو تشكيل حكومة بعد تلك الانتخابات، الأمر الذي دفع نحو حل الكنيست والتوجه نحو إجراء انتخابات جديدة في سبتمبر الماضي، وهاهو مجددا يقف حجر عثرة أمام نتنياهو ويفشل مساعيه للبقاء كرئيس حكومة للمرة الثالثة، ما قد يهدد بذهاب إسرائيل نحو انتخابات جديدة ثالثة للكنيست في غضون عام واحد، في سابقة لم يحدث مثيل لها منذ قيام تلك الدولة.

أما بالنسبة إلى غانتس فهو لديه مشكلة أيضا، إذ أن مجموع أعضاء الكنيست المؤيدين له 44 عضوا (مقاعد حزبه الـ33 +11 مقعدا، 6 لحزب العمل و5 للمعسكر الديمقراطي)، أي أنه يحتاج إلى تأييد 17 عضوا في كنيست، لتأمين 61 مقعداً من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. هكذا، فإذا افترضنا أنه أراد أو تمكن من ضم القائمة العربية المشتركة (13 عضوا) فسيصبح لديه 57 مقعدا فقط، أي أنه لن يستطيع تشكيل الحكومة بالاعتماد على التمثيل العربي في الكنيست.

وفي الواقع فإن هذا الوضع هو الذي يمنح حزب إسرائيل بيتنا المكانة المميزة، ويظهره كبيضة القبان، في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فإذا أيد نتنياهو، فسيمكنه من تشكيل الحكومة، لكن إن انضم إلى غانتس فهو قد يسهل له تشكيل الحكومة مع الاعتماد على التمثيل العربي. سوى ذلك فإن الخيار الآخر، الذي قد يساعد غانتس في تشكيل الحكومة، بعد أن تعذر على نتنياهو ذلك، يتمثل بأحد أمرين، أولهما، الإطاحة بنتنياهو من زعامة الليكود، أو شق صفوف هذا الحزب. وثانيهما إحداث اختراق يتمثل بجذب الأحزاب الدينية (شاس وهاتوراه)، ولديهما 13 عضوا (بشرط مع العرب).

هكذا فإن مجمل الاحتمالات مقعدة سواء لغانتس أو لنتنياهو وفق معادلات الكنيست الحالية، ولاسيما أن كلا من الطرفين يرفض الاعتماد على التمثيل العربي في الكنيست، لأن ذلك سيستثمره الحزب الأخر في معارضته، وضرب صدقيته.

على ذلك وإزاء رفض الحزبين الكبيرين التوجه نحو حكومة وحدة وطنية أو ثنائية، بتبادل موقع رئاسة الحكومة مناصفة، كون هذين الحزبين لوحديهما يمتلكان أغلبية 65 عضو كنيست، فإن الحل الذي لا مناص منه إزاء هذا الاستعصاء يتمثّل بالذهاب نحو حل الكنيست، وإجراء انتخابات جديدة، الأمر الذي سينتظر 28 يوما، وهي الفترة الممنوحة للمكلف الجديد بالتشكيل الحكومي أي بيني غانتس.

في غضون ذلك يفترض ملاحظة أن إسرائيل تستطيع التكيّف مع أحوالها، وهي أجرت 23 انتخابات للكنيست منذ قيامها قبل 70 عاما، رغم ظروفها الصعبة والمحيط المعادي لها، أي أنها لم تتحجج بذلك للتهرب من عملية انتخابية، ولا من استحقاق تداول على السلطة، بمعنى أنها تحول ما يجري لتعزيز تماسكها واستقرارها، وتحقيق تمايزها في تلك المنطقة، ما يعني عدم النظر إلى ذلك بوصفه علامة ضعف أو علامة تضعضع نظامها السياسي.