الطبقة السياسية في لبنان تسعى لتقديم تنازلات مقابل الحفاظ على النظام الطائفي.
 
تبحث الطبقة السياسية اللبنانية عن التضحية بوجوه منها، وخاصة ممن يحسبون على خط يعارض سيطرة حزب الله على المشهد السياسي والأمني، والذين أبدوا تعاطفا مع الانتفاضة الجماهيرية في لبنان، مثل رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، في الوقت الذي ربط فيها مراقبون استهداف ميقاتي بهذا الشكل بتآكل مكانة رجل الأعمال رامي مخلوف في سوريا، هؤلاء ومعهم شبكات العلاقات التي تمثلهم أو ترتبط بهم داخليا ولبنانيا.
 
ولفتت مصادر لبنانية إلى أن استهداف عائلة ميقاتي قد يكون له علاقة بتهاوي مملكة آل مخلوف في سوريا بعد الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطات السورية بحق الامبراطورية المالية التي يملكها ويديرها رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد.
 
وقالت مصادر قانونية مراقبة في لبنان إن استهداف ميقاتي من قبل القضاء اللبناني بتهمة الفساد، هو محاولة مرتبكة من قبل السلطات اللبنانية لإرضاء الشارع المنتفض، من خلال الإيحاء بأن الدولة ذاهبة إلى محاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة.
 
وأضافت المصادر أن لجوء السلطة إلى التعجيل بقرارات شعبوية يعكس حالة الإفلاس الداخلي، لاسيما من قبل الفريق المحيط برئيس الجمهورية ميشال عون، وسوء تقديرهم، ليس فقط في مسألة صعوبة تسويق الأمر لدى الشارع المنتفض، بل لما سيحدثه الأمر من تصدّع داخل الائتلاف الحاكم نفسه.
 
ومعروف أن رؤساء الحكومات السابقين، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، شكلوا سندا حقيقيا لرئيس الوزراء الحالي سعد الحريري في معركة الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة كما عن صلاحياته داخل اتفاق الطائف.
 
وشكلت البيانات والمواقف الصادرة عن الثلاثي خط دفاع متقدم وجريء عن الحريري، بحيث عبّر الرؤساء الثلاثة عن مزاج لا يستطيع الحريري، بحكم موقعه، وبحكم تحالفاته مع التيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، وبحكم تعايشه الوزاري مع حزب الله، التعبير عنه.
 
وكانت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، قد أصدرت قرارا، ادّعت فيه على ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عودة بجرم الإثراء غير المشروع من خلال حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وإحالتهم أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت للتحقيق معهم.
 
واعتبرت أوساط سياسية أن القاضية تنفذ في هذا التوقيت بالذات أجندة التيار العوني وحزب الله كرد انتقامي على مواقف سياسية اتخذها الرجل وابتعد فيها عن خيارات العونية السياسية وحزب الله.
 
ومعروف أن ميقاتي لم يوافق على التسوية التي عقدها الحريري وزعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع التيار العوني، والتي أذعنت لضغوط حزب الله ووافقت على انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية قبل ثلاث سنوات. ورفض ميقاتي انتخاب عون في الجلسة التي عقدها مجلس النواب لهذا الغرض.
 
ورأت مراجع مراقبة أن العونية السياسية تسعى لشق صفوف المنتفضين بالشارع عبر اللعب على الوتر الطائفي من خلال استهداف مسيحي لرئيس وزراء مسلم، في سعي لإيقاظ البعبع الطائفي وتشويه الحراك الشعبي اللبناني غير المسبوق والعابر للطوائف والمذاهب والمناطق.
 
وكانت سرت في الساعات الماضية أعراض تململ داخل الطائفة السنية من مغبة قيام تحالف الشيعية السياسية (حركة أمل وحزب الله) والمسيحية السياسية المتمثلة بالتيار العوني بتسليط مجهر الفساد على السنية السياسية، معتبرة أن استهداف ميقاتي هو مقدمة لاستهداف الحريرية السياسية وتحميلها منذ تبوّأ مؤسسها رفيق الحريري موقع رئاسة الحكومة مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد.
 
ورأت مصادر قريبة من دار الإفتاء في بيروت، أن السنة في لبنان سيقفون داعمين لأي جهود نزيهة وشفافة وجدية لمكافحة الفساد حتى داخل الطبقة السياسية السنية، إلا أنها لن تسمح بأن تتيح الظروف الحالية تصفية حسابات مع الطائفة وقادتها لوقوفهم خلال السنوات الأخيرة ضد نظامي دمشق وطهران وضد حلفائهم داخل لبنان.
 
محاولة لضرب حلفاء الحريري
ولم يهتم الشارع اللبناني المنتفض بما صدر عن القاضية عون معتبرين الأمر هامشيا مقارنة باللحظة التاريخية التي يعيشها البلد، فيما قال ميقاتي إن “الرسالة وصلت” في غمز من قناة التيار العوني وحزب الله، معتبرا أن الإجراء انتقامي، مؤكدا ما سبق أن كرره من استعداد دائم ليكون تحت القانون ولرفع السرية المصرفية عن حساباته.
 
وكانت معلومات صادرة عن وسائل إعلام روسية أكدت قبل أسابيع فرض الأسد الإقامة الجبرية على ابن خاله وأحد أغنى رجال الأعمال السوريين رامي مخلوف.
 
وقالت المصادر إن عملية اعتقال مخلوف تمت بموجب مرسوم رئاسي مباشر، وأنه هو ووالده محمد مخلوف وشقيقاه إيهاب وإياد رهن الاعتقال، ولا يمكنهم التواصل مع أي وسيلة إعلامية.
 
ومعروف أنه كان لنجيب ميقاتي وشقيقه طه علاقات شراكة مع آل مخلوف في أنشطة مالية واقتصادية في سوريا ولبنان والخارج. ولطالما اعتبر ميقاتي صديقا للرئيس السوري وحليفا لنظام الأسد، مع العلم أن ميقاتي اتخذ مسافة من دمشق بعد اندلاع الأزمة في سوريا دون أن يصدر عنه موقف معارض لنظام الأسد.
 
وترى مصادر سياسية لبنانية أن المزاج اللبناني المعادي لميقاتي من قبل حزب الله وفريق الرئيس عون متأثر ربما بمزاج في العاصمة السورية ضد آل مخلوف في السعي لاسترداد أموالهم من الخارج، والتي قد يشتبه أن تكون مخبأة داخل حسابات شركائهم العرب والأجانب في الخارج، بما في ذلك آل ميقاتي في لبنان.
 
ويستبعد مراقبون أن يكون للإجراءات القانونية ضد ميقاتي أي مفاعيل جدية لكون الرجل يحظى بحصانة قانونية بصفته نائبا في مجلس النواب، وبحصانة سياسية كونه من رؤساء الحكومات السابقين وحليفا لرئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، وبحصانة موضوعية لكون الحملة القضائية ضده تحمل طابعا انتهازيا ساذجا لن يكون لها أي صدى في أروقة السياسة والقانون في البلد.