علينا أن نحتكم إلى صندوقة الاقتراع عبر قانونٍ لا يُفصَّل على قياس أشخاصٍ وأحزابٍ. وَلْنَرَ عندها مع مَنْ هي الشَّرعيَّة الشَّعبيّة.
 
  السِّياسةُ، في جوهرها، فعلُ استهدافٍ، فعلٌ عدوانيٌّ، فعلٌ يهدف إلى فرض وجهة نظرٍ معيَّنةٍ في تدبير شؤون المجتمع، ونشرها.
 
 نرتقي، نكون مجتمعًا راقيًا عندما نعتمد الوسائل السِّلميَّة في التَّرويج لوجهة نظرنا، عندما نوافق، حقيقةً، على التَّداول السِّلميّ للسُّلطة.
 
 لم نرتقِ بعدُ إلى هذا المستوى! ولم يدخل في أدبيَّاتِنا ووجداننا أنَّ شعار التَّداول السِّلميِّ للسُّلطة ليس فقط شعارًا، بل هو قيمةٌ رئيسيّةٌ من قيم اجتماعنا الحضاريّ، وإلّا عدنا إلى عهد البربريّة والتَّخلُّف.
 
 أضحك كثيرًا، في سرِّي طبعًا، عندما أقرأ للبعض "إنَّنا مستَهدَفون"! طبعًا أنتم مستَهدَفون. فأنتم تستهدِفون الجميع بأدائكم ووجهة نظركم. وكلُّ فريقٍ يستهدف الفرقاء الذين يخالفونه في طريقة تعاطيهم في الشَّأن العام وتحقيق المصلحة العامّة. إذًا، لكلِّ فريقٍ الحقُّ في استهداف الآخرين. 
 
 كلُّ مواطنٍ هو مستَهدَفٌ ومستهدِفٌ حتى لو لم يعِ ذلك، حتى لو لم يقصدْ ذلك، حتى لو بقي في بيته، حتى لو كان سلبيًّا في حياته. فكلُّ فعلٍ سياسيٍّ سيعود عليه بالنّفع أو الضَّرر. أن تسكت فهذا فعلٌ أيضًا.
 
 لكنَّ السِّياسةَ بما هي فعلُ استهدافٍ للآخرين وبما هي فعلٌ لتحقيق المصلحة العامّة، تأبى أن تعتمدَ، على الأقل في الألفيّة الثَّالثة، وسائلَ عنفيَّةً لما تراه أنَّه يُحقِّق المصلحة العامّة، مصلحة المجموع. وهذا من ميزات الدِّيمقراطيّة وحسناتِها إذْ هي تحترمُ كلَّ مواطنٍ مهما كان شأنُه "وضيعًا" وتسمح له، عبر الإدلاء بصوته، بالمشاركة في التَّعبير بوسائلَ سلميَّةٍ عن رأيه.
 
 السَّاحات مفتوحةٌ للجميع ليُعبِّر كلُّ مواطنٍ بطريقةٍ حضاريَّةٍ عن رأيه. ونأمل أن يتفق الجميع على تنظيم انتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكِّرةٍ وِفقًا لقانونٍ عصريٍّ يليق بمستوى الوعي الذي أظهره الشّعب اللبنانيّ لا الشُّعوب اللبنانيّة. نعم صرنا شعبًا بعد أن حظَّروا علينا ذلك طويلًا.
 
 علينا أن نحتكم إلى صندوقة الاقتراع عبر قانونٍ لا يُفصَّل على قياس أشخاصٍ وأحزابٍ. وَلْنَرَ عندها مع مَنْ هي "الشَّرعيَّة الشَّعبيّة".