السلطةُ الشعبية إنتفـضَتْ، زحفَتِ الحرية إلى ساحاتها، خلعَتْ ذلك القناعَ الذليل...
العلَمُ الوطني إرتفع خفّاقاً بعد احتجاب، رسَمتْـهُ الصبايا على وجوههنّ والسواعد، كقطعةٍ من ذهب.
حزبُ الأمَّـة إنطلق بالقمصان ذاتِ الأبيض والأحمرين فوق كلّ الأثواب المرقَّطة...
الذين خدَّروا وجَـع الشعب بالأفيون، راهنوا على غيـبوبتِه، على اغتيال نفسه، على الموت الرحيم، على أنـه مـلَّ، كفَـر، تخمَّـر باليأس ولا يستشعر الألم...
على الشعب المخطوف راهنوا... ينساق مكبّلاً بسلاسل الأحزاب، يحرق الزيت المقدّس أمام الأنبياء الكذَبة...

 


هذا الشعب صعَـقَهم... إنطلق مارداً من القمقم المسحور، ليخوض ثـورةَ المحرومين في الوطن، والمحرومين من الوطن، ثورة البطون الجائعة، ثورة العاشورائيِّـين والمصلوبين، ثورة لبنان التاريخي ولبنان الحضاري ولبنان اللبناني، «كلُّـنْ يعني كلُّـنْ»، يعني كلَّ الأيدي الملطَّخة بالفساد، وكلَّ الأيدي الملَّوثـة بالبارود، التي بها قتلوا وخطفوا ونهبوا وارتكبوا مجازر التدمير والتهجير، والتي بها حكموا ويحكمون...
كيف يصبح القاتل حاكماً، والمجرم قاضياً، والظالم عادلاً والمفترس حمَلاً، وكيف يكون اللصّ حارساً على بيت المال...؟

 


المجدليَّـةُ التي تطهَّرتْ بثوب المسيح تَبـرَّأتْ من الخطيئة بعد الرجْـم... الخطيئة الأصلية لا تُغـتَفر بالنَدم، وخطيئة يوضاس لم تُطمَسْ من التاريخ حتى بعد الإنتحار..
لم يُـدرك أغبياءُ التاريخ أنّ الضغط على الأعناق حتى الإختناق يقود الشعب الى الجنون، والجنون الشعبي هو الذي يحـرّر العقل من جنون الموت لتكريس عقلانية الحياة.
مثلما أنّ الحزب الشيوعي في روسيا لم يتوصّل إلى قلب الأوضاع السياسية إلاّ بوجود الإقطاع، هكذا انقلب الشعب الروسي على الحكم عندما أصبح إقطاعاً، وسقط خروتشوف زعيم الحزب الشيوعي بسبب الفشل في السياسة الإقتصادية.

 


ومثلما أنَّ النازَّيـةَ الإلمانية لم تتوصل الى الحكم إلاّ بفضل العاطلين عن العمل، هكذا توصّل العاطلون عن العمل الى تحويل الدمار الهتلري من رُكامٍ الى رخام بِنْـيوي، ومن شقاءٍ الى رخاءٍ شعبي.
شعب لبنان العظيم، لن يكتب أسماءَهم بعدُ، على أوراق الإقتراع كمن يكتب بنفسه لنفسه أوراق النعي، بل بات يعرف كيف ينـتزع قيمةَ وجوده من اللُّقَطاءِ الوراثيِّـين.
أبرزُ ما أنجزه الشارع الثوري أنْ أصبح هو سلطةَ المراقبة والمحاسبة فوق الحكومة التي بينها وبين المجلس النيابي عقْدُ زواجٍ بالمتعة.
وأجملُ مشهدٍ أطـلَّ بـه لبنان على العالم شعباً وجيشاً كمَـثَلٍ حضاري راقٍ يُحـتذى للعالم المتمدّن.

 


وأهمّ ورقـةٍ تحققت هي ورقة الإصلاح الوطني قبل الإصلاح الإقتصادي...
الإنتفاضة وحَّدتِ الجغرافيا وقد اقتطعوها جغرافيات...
وحَّـدتِ الوطن وقد جعلوه أوطاناً مبعثرة...
رفعتْ شعار الدولة المدنية التي جعلوها دويلات مذهبية...

 


أكَّـدت وحدانيَّة الله لأهل الأرض وقد جعلوه إلهيّـين وثنيِّين يتقاتلان ...
قبل الثورة الفرنسية، كان النبلاء يمتلكون امتيازات شرفيَّـة: كحمْلِ السيف، ومقعدٍ خاص في الكنيسة، وقطْـع الرأس في حالة الإعدام، ولكن هذه الإمتيازات هي التي ميَّـزتْ رؤوسهم طعاماً للمقصلة..
عندما تتأجّج الثورات يصبح الخيار: بين كرسيّ الحكم والكرسيّ الكهربائي.