بعد مرور أسبوع على بدء الإحتجاجات التي لم تخبُ وتيرتها يوماً بعد يوم منذ 17 تشرين الجاري، لم يبادر أيّ طرف سياسي أو وزير الى الاستقالة تحت الضغط الشعبي. لم يخرج من الحكومة إلّا وزراء «القوات اللبنانية»، وذلك في اليوم الثاني للتحرّكات الإحتجاجية، وعن اقتناع، بسبب عدم قدرة «حكومة الى العمل» على العمل. استقالة لم تُخفف غضب المحتجّين، الذين يُطالبون بإستقالتهم «كلّن». «كلّن يعني كلّن»، مطلب يشمل رئيس الجمهورية والحكومة بكاملها ومجلس النواب بنوابه الـ128. فالثقة مفقودة بالجميع.
 

المحتجون الذين تخطّى عددهم المليون ونصف مليون لبناني في كلّ المناطق اللبنانية ومن كلّ الطوائف والإنتماءات والأعمار، يريدون «محاكمة» السلطة الحاكمة المتعاقبة منذ عشرات السنين، والتي أوصلتهم الى حافة «الجوع». يريدون سلطة تضمّ وجوهاً جديدة «نظيفة» وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

يتماهى جزء من مطالب المتظاهرين من عكار وطرابلس، وصولاً إلى صور والنبطية، مع مطلب «القوات» الذي أعلنه رئيس الحزب سمير جعجع خلال إجتماع بعبدا السياسي - الإقتصادي في 2 أيلول الماضي، بـ»تغيير الطاقم السياسي والحكومة»، إذ «لا ثقة بين الدولة والناس». كذلك تتماهى دعوته مع مطالب الشارع، الى تأليف حكومة تضمّ تقنيين ورجال أعمال مَشهوداً لهم بكفايتهم ومسيرتهم، يَتولّون مسؤولية الإنقاذ، لا أن تتألّف من مستشارين لدى رئيس حزب أو مرجع.

وعلى رغم الاتهامات التي تطاول «القوات» بأنّها المحرّكة للشارع والإحتجاجات، إلّا أنّ انفجار الغضب الشعبي سبق استقالة وزراء «القوات» ودعوة جعجع مناصريه الى المشاركة في التظاهرات. كذلك تتخذ الإحتجاجات الشعبية طابع «اللامركزية» حيث يتظاهر اللبنانيون ويقطعون الطرق في مختلف المناطق. ولا وجود حزبياً لـ»القوات» في عدد كبير من هذه المناطق، شمالاً وجنوباً وبقاعاً، فضلاً عن أنّ العدد الكبير من المحتجين يتخطى شعبية أيّ حزب، ويُجمع هؤلاء على «كلّن يعني كلّن» ولا يستثنون «القوات» أو غيرها.

وفي حين تتعدّد مطالب المتظاهرين بتعدّد الأزمات والمشكلات وعوامل القهر التي أضنت اللبناني، يجمعهم التوق الى التحرّر من قيد السلطة الحاكمة التي خنقت البلد والشعب لعشرات السنين، مهما كانت أسباب فشلها. يريدون التغيير فقط، لا إصلاحات ولا إجراءات ولا وعود. يريدون أملاً جديداً وفرصة للتغيير.

أن ينضمّ مناصرو «القوات» الى المحتجين، هو أمر بديهي على ما يقولون. فـ«القوات» أصبحت خارج الحكومة، ومطلب استقالة الحكومة هو مطلبها أساساً. كذلك «نحن من الناس ونعاني مثلما يعاني اللبنانيون جميعاً من الأزمة المعيشية - المالية - الإقتصادية - السياسية».

وتتفهّم «القوات» إطلاق شعار «كلّن يعني كلّن». وتقول مصادرها لـ«الجمهورية»: «لا تستفزنا المسألة ولا نشعر بأننا مستهدفون لأننا نتفهّم غضب الناس، فنحن جزء منهم، وقواعدنا وقفت مع المحتجين قبل أن نتخذ قرار الإستقالة». وتعتبر أنّ «الناس في حالة غضب ووضعهم معروف. لديهم الحق في كلّ ما يطرحونه لأنّهم في حالة قرف ووضعهم مأساوي، فقد لامسوا الجوع، ويشعرون أنّ أحداً لا يسأل عنهم أو يتجاوب مع مطالبهم».

وهل تُجاري «القوات» المحتجين بمطلبهم تنحّي الرئيس العماد ميشال عون وإجراء انتخابات نيابية مبكرة؟ تجيب المصادر: «القوات متأكّدة من حجمها ووضعيتها وثقة الناس فيها، لكنّ موضوع الانتخابات أو غيره يُدرس في حينه. ونحن نرى أنّ المطلب الأساس في هذه المرحلة يجب أن يكون استقالة الحكومة. ونعتبر أنّه مطلب واقعي وعملي، يُشكّل المخرج من الأزمة الراهنة ومدخلاً لمرحلة جديدة تُنفّذ خلالها المطالب والبرامج الإصلاحية. فبمجرد استقالة الحكومة وتشكيل حكومة اختصاصيين وتقنيين وخبراء مشهود لهم بكفايتهم نكون تجاوبنا مع مطالب الناس، فيستعيد الوزراء الجدد الثقة، لأنّ الأزمة اليوم هي أزمة ثقة، ولا ثقة في هذه الحكومة».

وإذ تشير إلى أنّ «الفريق الحكومي لم يصل إلى إقرار إصلاحات إلّا تحت الضغط الشعبي والإنهيار»، تسأل: «عندما يكون هناك فريق سياسي لا يستشرف الواقع ويدفع البلاد إلى حافة الهاوية، كيف يبقى في الموقع الموجود فيه؟».

وألا تتحمّل «القوات» المسؤولية بدورها، إذ إنّها تمثلت بـ4 وزراء في الحكومة؟ تجيب المصادر: «وزراؤنا اعتمدوا الإصلاحات الجدية والشفافية في عملهم، وكنّا أوّل من طرح الإصلاحات المطلوبة من المواطنين والخبراء لإنقاذ الوضع منذ تأليف الحكومة. وعندما طالبنا بإصلاحات جدّية تشكّل عملية إنقاذ للوضع الإقتصادي، ولم نصوّت على موازنة 2019 لأنها تخلو من هذه الإصلاحات، هوجمنا من الرئيسين عون وسعد الحريري واتُهمت القوات بأنّها تضع «إجر بالبور وإجر بالفلاحة».