لقد سبقنا الجيل الصّاعد لقد سبقنا الشَّباب بغفلةٍ منّا نشأ جيلٌ لا تعني له الطّائفيّة شيئًا ولا يعرف معناها حتى. ولا يعني له رجال الدّين والسّياسة شيئًا. ولا يعترف بكلِّ الأيديولوجيّات الكبيرة.
 

نحفظ من زمانٍ مقولةَ هيغل: "كلُّ ما هو عقليٌّ هو واقعيٌّ، وكلُّ ما هو واقعيٌّ هو عقليّ". ولو أردنا صياغة هذه المقولة المقتضبة بطريقةٍ أخرى لقلنا: "كلُّ ما يتوافق وينسجم مع العقل سيجد طريقه إلى التَّحقُّق والتَّجسُّد وإنْ طال الزّمان، وكلُّ ما هو واقعيٌّ فعلًا سيكون مبرَّرًا ومسوَّغًا من العقل وإلّا كان هشًّا وعابرًا".

 

 لنُطبِّقْ ما ورَد أعلاه على الأنظمة العربيّة. ماذا سنجد؟
   إنَّها أنظمةٌ متخلِّفةٌ تعيش خارج الزَّمان ولا تتوافقُ البتّةَ مع العقل مع أنَّها تبدو "واقعيّةً". لكنَّ واقعيَّتَها هشَّةٌ وعطوبةٌ. 
   ماذا يعني هذا؟
   يعني أنَّ وجودَها عابرٌ وهشٌّ ولا تستطيع أن تدوم إلّا بالحديد والنَّار ومساعدة دولةٍ أجنبيّة. إذًا، هي لا تبقى وتدوم لأنّها تمثِّل العقلَ وتُجسِّده.
   ما الذي يُجسِّد العقل في هذا الزّمان؟
   لا أعتقد أنَّ اثنيْن سيختلفان على أنَّه الدَّولة الحديثة رغم ما يشوبُها من ثغراتٍ. دولة القانون والمؤسَّسات والانتخابات الدّيمقراطيّة والتّدوال السِّلميّ للسُّلطة مع قيمٍ تحفظ هذه الدّيمقراطيّة. دولة الشّعب والإرادة الشّعبيّة لا دولة الفرد مهما ادّعى لنفسه العصمة والعبقريّة.


   ما الذي يحصل في البلدان العربيّة منذ الرَّبيع العربيّ؟
   يحاول العقل أن يجدَ طريقه إلى التّحقُّق والتَّجسُّد. هناك مَن يعيقه. لكنّه يحاول مرارًا وتكرارًا ولا شيءَ سيقف في طريقه. بدأ في تونس وانتقل إلى مصر وسوريا واليمن والعراق والجزائر ولبنان والبحرين. وكان سيُكمل طريقَه باتجاه دول الخليج العربيّ وبقيّة الدّول العربيّة. لكنَّ القوى الظّلاميّة التي لا تريد لهذا النّور العقليّ أن ينتشر وضعت كلَّ ثقلها لاغتيال الرَّبيع العربيّ ووأْدِه في مكانه حتى لا ينتشر ويتحقّق في كلِّ الدّول العربيّة. فإسرائيل والمَلَكيَّات التي تعيش في كوكبٍ آخرَ ودول الاستبداد والديكتاتوريّة ودول التوحّش الرّأسماليّ وأمريكا التي تدّعي أنّها حامية الحرّيّة والدِّيمقراطيّة في العالم، لا يُناسبها أن ينجح الرَّبيع العربيّ وتتحقّق إرادة الشّعوب في دولةٍ حديثة، فأيُّ نجاحٍ لهذا الرَّبيع في دولةٍ كبيرةٍ سيؤدِّي إلى انهيار هذه الأنظمة المتخلِّفة وزوال دولة إسرائيل.
   حسنًا، لقد تمّ الانقلاب هنا على الرّبيع العربيّ وتمّ قمعه بالحديد والنّار هناك،...الخ ممّا تعرفونه جيِّدًا.

 


   لكنَّ روح العقل لا تستكين، فتجدَّد الرَّبيع في مصر وبغداد والآن في بيروت. ولا نعلم أين سيتابع طريقه. يُقمع هنا فينبَجِسُ هناك. فالرّوح لا يكِلُّ ولا يملّ ولا يعرف الفشل ويحاول دائمًا.
   قريبًا جدًّا سنذهب للتّظاهر في الرّياض والقاهرة وبغداد والجزائر وجميع العواصم العربيّة وحتى في طهران وأنقرة، لِمَ لا؟ 
   لا بديل عن تحقُّق النَّموذج العقلانيّ الذي يتوافق مع العقل. والدّولة الحديثة تمثِّل هذا النّموذج. 


   ماذا يحصل في لبنان؟
   إنّ نظام الحكم في لبنان يُجسِّد التَّخلُّف واللاعقليّ. لذا، سينهار. لكن هناك مَنْ يحاول الحفاظ على الهشّ والعطوب من رجال الدّين ورجال السّياسة ورجال الاقتصاد معًا؛ لأنّ في ذلك مصلحةً لهم. لكن عبثًا يُحاولون. فأداؤهم يمثِّل انتحارًا سياسيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا.
   لقد سبقنا الجيل الصّاعد. لقد سبقنا الشَّباب. بغفلةٍ منّا نشأ جيلٌ لا تعني له الطّائفيّة شيئًا ولا يعرف معناها حتى. ولا يعني له رجال الدّين والسّياسة شيئًا. ولا يعترف بكلِّ الأيديولوجيّات الكبيرة. لا سلطة الأب ولا سلطة رجل الدّين ولا سلطة الزّعيم. لذا، نراه يشتمّ كأنّه يغنّي. فلا مهابةَ ولا احترامَ لأيِّ سلطة!
   بِمَ ننصح مَنْ يقبض على السُّلطة؟


   بالإصغاء إلى صوت الشَّعب. لأوّل مرَّةٍ يكون هذا الصّوتُ وطنيًّا. يعني يجسِّد العقل تمامًا. وننصحه بالعمل لبناء دولةٍ حديثةٍ تُمثِّل العقل في أعلى مراتبه. لقد فشل النِّظام اللبنانيُّ فشلًا ذريعًا. ولا شيءَ سيقف في طريق الرّوح لا في بيروت ولا في دمشق ولا في القاهرة ولا في بغداد ولا في الرِّياض.