الخطابات التصالحية والوعود التي قدّمتها أركان حكومة عادل عبدالمهدي لم تقنع المتظاهرين. فهم يعرفون أن دائرة الفساد سوف تفرغ هذه الوعود من محتواها. وهي ليست جديدة على أي حال.
 

العراقيون يستعدون ليوم مشهود. الخامس والعشرين من الشهر الجاري سيكون يوما ليس كباقي الأيام. المتظاهرون على جبهة، وميليشيات إيران على جبهة أخرى. وإذا وقع الصدام وسقط قتلى، كما حدث خلال كل المناسبات السابقة التي حصدت أكثر من مئة قتيل وآلاف الجرحى، فإنّ أحدا لا يعرف كيف ستكون النتيجة.

المتظاهرون يريدون إسقاط النظام وميليشياته وأركان فساده. وأتباع الوليّ الفقيه وقاسم سليماني، يريدون سحق المتظاهرين بأيّ ثمن، لأنهم، للمرة الأولى، باتوا يشكّلون تحديا شاملا للنظام الطائفي برمّته.

الشيء نفسه يحصل في لبنان، من دون أن تتوفر القدرة لحزب الله أن ينشر قناصة لقتل المتظاهرين. قتل المتظاهرين صعب في لبنان. إلا أنه سهل في العراق. الولي الفقيه يعرف حدوده وأتباعه يعرفون.

الخطابات التصالحية والوعود التي قدّمتها أركان حكومة عادل عبدالمهدي لم تقنع المتظاهرين. فهم يعرفون أن دائرة الفساد سوف تفرغ هذه الوعود من محتواها. وهي ليست جديدة على أي حال. والأموال المخصّصة للإصلاحات سوف تظل تذهب إلى شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني، فيتم نهبها دون أن يتم التقدّم بخطوة في الإصلاح. وإذ لم يعد الاستمرار في المخادعات المألوفة ممكنا. فماذا بقي لكي يحافظ نظام الميليشيات على نفسه؟

لقد دُفع فالح الفياض زعيم الحشد الشعبي ليتصدر الواجهة. فعدا عن أنه كلف بالتحقيق في مقتل المتظاهرين الذين قتلوا على يد ميليشياته، فقد تصدّر التهديدات أيضا بسحق المتظاهرين، ليكون هو الخصم والحكم. في مسرحية تجسد نوعا من أسوأ مسرحيات العدوان على الناس، والصلافة فيه. وهم موغلون. حتى لكأنهم إذ يتعمدون القتل والسحق، يريدون القول إنّا في دمكم سادرون، ولن يوقفنا أحد وهذا ما يدوم.

هناك اعتقاد يقول إن دخول مقتدى الصدر إلى دائرة المواجهات يستهدف أحد أمرين. إما ركوب الموجة ليكسب النظام جولة المواجهة الأهم وإما أن يقودها بالفعل ليكون محرّكا فعليّا لتغيير حقيقي، ينقله من موقع صانع الملوك في النظام الطائفي القائم، إلى صانع التغيير.

لقد وجد هذا الرجل نفسه جالسا بين فكي الرحى: ما خلقه لنفسه من اعتقاد، وما يتعين أن يتمثله من ذلك الاعتقاد. ثم بين قاسم سليماني، وعلي خامنئي، لتقول الصورة ما تقول. إنه في نهاية المطاف ضحية نفسه، وضحية الوضع الذي أوجده لنفسه في سلطة يتمثل معارضتها، وهو جزء منها. الوقائع هي التي سوف تحكم في النهاية على ما قد يحدث.

سوف يلعب مقتدى الصدر دوره. المنشود أو غير المنشود. ولكنه سيلعبه لتفعل الحقيقة، ساعتئذ، فعلها، وليرى الناس ما يتعيّن أن يروه.

وأركان الخديعة جاهزون، للعب أي دور. يمتطون الحيلة للظهور، وفقا لثقافة التقية، بمظهر الضحية والمظلوم، حتى ولو كانوا هم القاتل والظلوم.

ولكنّ انطلاءها محدود. فالفساد الذي أصبح هو النظام لن يترك لأحد فرصة للتقدّم بوجه آخر. ولا حتى لإعادة بناء “مظلومية” على غير انطلاء الحيلة.

أو هذا ما يتصوّرون. فالعراقيون الذين جربوا من الشيء كل شيء، باتوا يعرفون تماما، كل مسالك الزيف التي تمارسها سلطة الوليّ الفقيه، بالنهب والنصب، بالخديعة واللطم على الهريسة.

البعض يقول إن الاحتجاجات الصارخة، والدعم الواسع الذي تحظى بها من جانب الغالبية العظمى من العراقيين، قد تجعل السيل جارفا إلى درجة أن أحدا لن يتمكّن من التحكم فيه.

وطرفا المواجهة يستعدان ليوم مشهود. واحد بالحديد والنار، والآخر بالصدور العارية طلبا لنظام جديد.

الأنظمة الموالية لإيران، على أي حال، يمكنها أن تسحق الملايين. إنها هي بالذات كأس الدم الذي يشربه الوليّ الفقيه، لكي لا يشرب كأس السم. ويحاول أن يجعل ميليشياته تتمثّله كسبيل للبقاء على قيد السلطة والفساد.

لقد قتلت ميليشياته أكثر من ثلاثة ملايين إنسان بين العراق وسوريا وحدهما، وشردت نحو 15 مليون آخرين، لتقول شيئا واحدا: إنها باقية بالحديد والنار، وبالفساد نفسه لكي تكسب ما تعيش وما تقتل به. وعلى الناس أن يختاروا بين الموت غدرا أو الموت فقرا.

ولكن ذلك لا يمكنه أن يدوم. عندما يسقط النظام الطائفيّ في لبنان، حيث لا يمكن للوليّ الفقيه أن ينشر قناصته لقتل المتظاهرين، سوف يعرف العراقيون لماذا هم، بتلك السهولة، يُقتلون.