تقرير لجنة تحقيق قمع التظاهرات يلقي باللائمة على وسائل إعلام لعدم تصديها للأخبار الكاذبة.
 
صدمت خلاصات لجنة التحقيق في أعمال قمع التظاهرات في المدن العراقية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 150 شخصا، الأوساط العراقية بعد أن تجنب التقرير أي إشارة إلى الميليشيات المدعومة من إيران.
 
واستَبَقت الحكومة العراقية تجدّد الاحتجاجات الشعبية، الجمعة، وألقت تبعة قتل المتظاهرين في الاحتجاجات الأخيرة، على عدد من القادة العسكريين والأمنيين، مخلية بذلك مسؤولية السياسيين الذين تأتمر القوات المسلّحة بأوامرهم، وأيضا الميليشيات الشيعية التي تؤكّد العديد من المصادر وشهود العيان مشاركتها في قمع الاحتجاجات باستخدام الرصاص الحيّ.
 
وتحول التقرير إلى موضع تهكم وسخرية من قبل العراقيين عندما ألقى باللائمة في العنف أيضا على الرقابة على وسائل الإعلام لعدم تصديها لمن يبثون أخبارا كاذبة، متجنبا أي إشارة إلى هجمات الميليشيات على مباني وسائل إعلام وتدمير معداتها.
 
واعتبرت مصادر إعلامية في بغداد أن الحكومة نجحت في إخضاع جميع وسائل الإعلام المحلية، وبعض وسائل الإعلام العربية أثناء الاحتجاجات، بالاستعانة بعناصر الميليشيات في مشهد غريب، يكشف عن نوايا دكتاتورية مخيفة.
 
وفشل التقرير في اتخاذ أي إجراءات إدارية ترقى إلى محاسبة القتلة الحقيقيين للمتظاهرين الشبان في بغداد والمحافظات الجنوبية، الأمر الذي فسره عراقيون بالهروب إلى الأمام من قبل حكومة عادل عبدالمهدي.
 
ويدرك رئيس الوزراء العراقي أن الأحزاب السياسية لن تتردد في التضحية به، إذا كان هذا كافيا لإقناع المتظاهرين، سعيا لحماية مصالحها، قبل كل شيء.
 
لكن عبدالمهدي يدفع ضريبة كبيرة جدا، وهو يحاول احتواء حركة احتجاج اندلعت ضد الفساد وسوء الإدارة وشيوع البطالة، لتتطور لاحقا نحو المطالبة بإطاحة النظام السياسي كله.
 
ونشرت خلاصات تقرير اللجنة فيما يترقب أن تخرج تظاهرات حاشدة جديدة، الجمعة، ترفع شعارات إسقاط النظام والأحزاب الدينية الفاسدة.
 
وأفاد التقرير الصادر عن “اللجنة الوزارية العليا” التي تشكلت بأمر من رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بأن حصيلة الاحتجاجات الشعبية قبل أسبوعين بلغت 157 قتيلا غالبيتهم من المتظاهرين ومعظمهم في العاصمة بغداد.
 
وإذ أشار التقرير إلى أن ما يقارب “70 في المئة” من القتلى قضوا بالرصاص الحي “في الرأس والصدر”، أعلنت السلطات إعفاء قادة عسكريين وأمنيين من مختلف أجهزة القوات العراقية في سبع من أصل 18 محافظة، طالتها الاحتجاجات التي يمكن أن تستأنف، الجمعة، في محاولة لتبرئة عناصر الميليشيات وكبار القادة، واختيار أكباش فداء للتضحية بهم من الضباط.
 
وحملت اللجنة مسؤولية سقوط قتلى إلى بعض العناصر الأمنية، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى وجود “مواقع للقنص” من دون تحديد هوية القناصة.
 
وفي مشهد مرعب، يعكس حجم الهيمنة الإيرانية في العراق، جال مسلحون ينتسبون إلى سرايا الخرساني إحدى الميليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي، التي شكلها رئيس فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني من مقاتلين محليين، على مباني وسائل إعلام عديدة حاولت تغطية التظاهرات، فأحرقوا بعضها وضربوا الصحافيين وهشموا المعدات في البعض الآخر.
 
ومع قطع الإنترنت عن جميع أرجاء البلاد، انفردت الحكومة بالمحتجين وبطشت بهم، إذ أكد شهود عيان أن رجال الأمن وعناصر الميليشيات ارتكبوا مذبحة ضد المتظاهرين في بغداد.
 
وأوصت اللجنة بإعفاء قادة من الجيش والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب ومكافحة الشغب، ومكافحة الجريمة والاستخبارات والأمن الوطني، مع نشر أسمائهم من دون أي إشارة إلى عناصر الميليشيات المرتبطة بالحشد الشعبي.
 
واعتبر مراقبون أن عبدالمهدي لم تعد لديه فرصة التراجع عن السلوك القمعي الذي يبديه إزاء التظاهرات، لكنه في النهاية يحقق رغبة الكتل السياسية الموالية لإيران، ما يمنحه فرصة البقاء في منصبه، ولو بشكل مؤقت.
 
وبحسب ما قال المحلل السياسي عصام الفيلي لوكالة الصحافة الفرنسية “لم يرتق التقرير إلى مستوى ضحايا التظاهرات الشهداء سواء من القوات الأمنية أو المتظاهرين”.
 
وأوضح الفيلي أن التقرير اكتفى بتوصية “عقوبات إدارية” من دون أن تكون هناك “محاسبة عن ارتكاب جرائم”، متسائلا “هل سيقنع التقرير المرجعيات الدينية في النجف الأشرف؟”.
 
واعتبر المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن التقرير الحكومي “مخيب للآمال وفيه تغييب للحقائق (…) وابتعد عن تشخيص الجناة الحقيقيين”.
 
ودعا المرصد رئيس الحكومة إلى إعادة النظر بالتحقيق، متسائلا “كيف للضباط المتهمين أن يستمروا بإطلاق الرصاص الحي دون أن يوقفهم قادتهم؟ (…) هذه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي”.