النظام السياسي في لبنان قد يعمد إلى التحرك للحد من المدّ الشعبي.
 
لم تنجح الوعود التي أطلقها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في احتواء غضب الشارع المتراكم، حيث استمرت الاحتجاجات الاثنين، مجددة المطالبة بإسقاط النظام.
 
ورد نشطاء الحراك على كلمة الحريري بالتأكيد على “الإصرار على إسقاط المنظومة السياسية‎‎”، مشددين على أنه “لا يمكن لهذه الحكومة تطبيق الإصلاحات”.
 
وفي محاولة لتهدئة الاحتجاجات المستمرة ليومها الخامس على التوالي، أعلن الحريري حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، بينها خفض رواتب الوزراء والنواب بنسبة 50 بالمئة، وإقرار موازنة 2020 خالية من أي ضرائب جديدة.
 
وانطلقت المظاهرات الخميس الماضي احتجاجا على المديونية والفساد والمحاصصة والوراثة السياسية ويتمسك المتظاهرون بمطلب رحيل الطبقة السياسية، مستهزئين بكل ما يقدم من حلول “تخديرية”.
 
وقال روني الأسعد وهو موظف وناشط في الحراك “لا يخرجني من الشارع إلا استقالة الحكومة أولا ومن ثم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو تشكيل حكومة انتقالية مع مشاركة ممثلين عن الشعب فيها، على غرار ما جرى في السودان”.
 
واعتبر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أن المدخل إلى حل الأزمة الراهنة هو استقالة الحكومة الحالية وإعادة تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة مع فريق عمل متجانس لتنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة.
 
ويرى مراقبون أن الأزمة انتقلت إلى طور آخر أكثر تعقيدا، خصوصا أن الطبقة السياسية الحاكمة التي تأخرت كثيرا قبل أن توافق على الورقة الاقتصادية، باتت عاجزة عن مواجهة حركة الشارع.
 
ويلفت هؤلاء إلى أن المشكلة لم تعد في القرارات نفسها التي يمكن اعتبارها مقبولة وربما جريئة، بل في من سينفذ هذه الإصلاحات، باعتبار أن الثقة منعدمة بشكل كامل بين الشارع والطبقة السياسية الحاكمة.
 
واعتبر هؤلاء أن ما أعلنه الحريري، والذي تم تقصّد تسريبه خلال الأيام الماضية لم يحمل الصدمة المطلوبة لإقناع المحتجين بترك الشوارع، وأن القرارات سعت إلى حماية الطبقة السياسية من غضب الناس وليس محاسبة الطبقة السياسية على أدائها خصوصا في ملفات الفساد.
 
ويرى محللون أن المطلوب الاهتداء إلى آلية تفاوض بين الشارع والسلطة، وأن على هذه السلطة أن تعترف بتقادم قواعد اللعبة، وأن تسهم في عقد تواصل مع هيئات تمثل الحراك الشعبي ينظم انسحاب السلطة التدريجي مقابل مشاركة وجوه جديدة في ممارسة الإدارة والحكم في البلاد.
 
ولفت مراقبون إلى أن وعود الحريري وجهت الأنظار نحو وجهات أخرى لا تمس جوهر القضية. وقال هؤلاء إن “الإفلاس لا يأتي بسبب ارتفاع راتب هذا القاضي أو ذلك النائب أو الوزير، بل من حالة الفساد المستشري والتي تشارك فيها كل الطبقة السياسية، إضافة إلى سيطرة حزب الله على اقتصاد مواز وإشرافه على المعابر غير الشرعية”.
 
ورأت مصادر سياسية أن البلد بات في حالة فوضى مقصودة حيث استقالت السلطة اللبنانية من مخاطبة الناس بعد غياب غريب لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يظهر إلا عبر تصريح نسب إليه يعبر عن تفهمه للشارع، معتبرا أن تعميم مسألة الفساد على الجميع “ظلم”، ما فهم بأنه تصريح للدفاع عن النفس وليس لمعالجة أزمة تاريخية يعيشها البلد.
 
واستغربت المصادر الغياب التام لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يظهر إلا في تصريح يبرئ فيه زوجته من تهمة تورطها في استثمارات سياحية في الجنوب. فيما خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله متوعدا قبل أيام، وهي خطوة تندرج في إطار محاولاته التقليدية القديمة لإرهاب اللبنانيين.
 
ويتخوف نشطاء سياسيون من رأي يقول إن هذه الدولة المتجذرة منذ اتفاق الطائف عام 1989، لم تقل كلمتها بعد، وأنها ستحاول ترهيب الشارع، مستندين على رسائل التهويل التي ظهرت من خلال وسائط التواصل الاجتماعي التي تحدثت عن أجندات خارجية وتدخل السفارات وهي مقدمة لخطوات قد تتخذ ضد هذا الحراك.
 
وقالت مصادر سياسية لبنانية إن بيروت تلقت معلومات من عواصم خارجية تحذر من عمليات تخريب تُعد من أجل تقويض الحراك الشعبي في لبنان أو التأثير على طبيعته وعلى شعاراته.
 
وأضافت المصادر أن التحذيرات الخارجية تضاف إلى أعراض داخلية أخرى تجري مراقبتها عن كثب. وتعتبر المصادر أن النظام السياسي اللبناني برمته قد يعمد إلى التحرك بوسائل مختلفة للحد من المدّ الشعبي الذي انفجر منذ مساء الخميس الماضي.
 
ويستبعد المراقبون قيام الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بأي عملية قمع لإجهاض هذا الحراك. وكان الجيش اللبناني أصدر بيانا لافتا متضامنا مع المتظاهرين، في حين تحركت وزيرة الداخلية ريا الحسن لوقف أعمال العنف التي مارسها بعض رجال الأمن ضد المتظاهرين وأمرت بإطلاق سراح كافة المعتقلين. ويتخوف المراقبون من قيام ميليشيات تابعة لأحزاب السلطة بمواجهة المظاهرات وبث الخوف والرعب لإفراغها من بعدها الجماهيري المدني.
 
وتقول بعض التحليلات إن حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي أمام تمدد الحراك الشعبي وعلى نحو مقلق إلى جنوب لبنان والبقاع الشمالي، وهي مناطق تعتبر معاقل شعبية أساسية للحزب في لبنان.
 
وترى هذه التحليلات أن الشتائم طالت أمين عام الحزب حسن نصرالله من داخل البيئة الشيعية، وهي سابقة خطيرة لن يستطيع الحزب تحمل تبعاتها. وتخلص التحليلات إلى أن عدم تحرك الحزب لوقف الحراك سيشجع المزيد من اللبنانيين الشيعة المحسوبين على “جمهور المقاومة” على مغادرة “الغيتو” الفكري لحزب الله للالتحاق بباقي الشرائح السياسية والمدنية اللبنانية في حراكها الجماعي لتخليص لبنان من طبقته السياسية.
 
وقرأت مصادر دبلوماسية بتأن التهديدات الخطيرة التي أطلقها نصرالله لجهة التهديد بالنزول إلى الشارع وعدم الانسحاب منه قبل تحقيق أهداف ذلك.
 
وكان الأمين العام لحزب الله قد رفض الدعوة إلى إسقاط العهد وهدد الهاربين من المسؤولية بالمحاكم. ورأت المصادر أن نصرالله بدا يتصرف وكأن الحراك يهدد “دولة حزب الله” في لبنان، وأن الحزب سيتخذ التدابير اللازمة لمنع ذلك.